ندوة تجسير3: إشكالية الوصل والفصل ما بين العلوم الإنسانية والاجتماعية
Abstract
أصل هذا الفيديو ندوة لمجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية التابعة لمركز ابن ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية ، تناول فيها المحاضر العلاقة المتأصلة بين الفلسفة والتاريخ، وما يتجاذبهما من معارف هامة، مثل: السياسة، والاقتصاد، والأنماط الاجتماعية، والأخلاق، فهي ما تشكل في مجموعها حالة غنية ومعقدة بتركيبها ومتجاذبة في الحاجة والاستخدام المعرفي لها بين الفيلسوف والمؤرخ، مع الاعتراف باستحواذ الفلسفة على تلك المعارف على مدار الأزمنة التاريخية منذ المرحلة اليونانية وحتى العصور الأوروبية الحديثة ومرورا بالحضارة الإسلامية الكلاسيكية.
ولمناقشة الموضوع أكثر، خصّ د. كوثراني حديثه بالوقوف على ثلاث حالات تاريخية، أولها: الزمن اليوناني القديم، الذي امتدّ من القرن 5إلى 3 قبل الميلاد، وشهد بروز فلاسفة كبار، ومؤرخين عظام؛ حيث يرى المحاضِر أن ثمة علاقة واطلاع من قبل كل جهة على جهد الضفة الأخرى، فقد أشار الدكتور وجيه إلى اطلاع الفيلسوف أرسطو، بل حتى أفلاطون نسبيّا على التواريخ اليونانية، مستندا إلى ما قدمه المترجم الفرنسي لكتاب أرسطو (في السياسة).الذي ساءل أسلافه، لا ليفندهم، بل ليجمع ما يمكن أن تشمله النظريات وتلك الدساتير من طيب قابل للتطبيق، مجانبا لما فيه من خبيث، والأمر نفسه في كتابيه ( ما بعد الطبيعة)، و( النفس)، لأجل ذلك سُمِّي أرسطو بحقٍّ أول مؤرّخ للفلسفة. أما مؤرخو اليونان، حسب وجهة نظر د. كوثراني فقد خضعت أعمالهم لمنظور فلسفي سياسي، دلّت عليها دراسات، مثل: دراسات الفيلسوف الفرنسي فرانسوا شاتليه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مستنتجًا منها أن المؤرخين اليونانيين كانت لهم صياغاتهم البحثية التاريخية التي تضمنت نوعا من فلسفة التاريخ واستشرافه. أما المثال الثاني، فقد كان اهتمام الثقافة الأنغلوفونية خاصة في لندن والولايات المتحدة بمؤرخي اليونان، ولاسيّما المؤرخ " ثيوسيديدز " الذي عُدّ مؤسسًا لفلسفة السياسة الواقعية.
ثم عرّج الدكتور وجيه كوثراني، على النموذج الإسلامي الكلاسيكي، فهذا النموذج من وجهة نظر الضيف، امتلك شبكة من العلاقات بين التاريخ والفلسفة، وما بينهما من أنواع الكتابات التي أسماها بالكتابات الحرّة المتنوعة والتي ضمّت كمًّا هائلا من أنماط الحياة الاجتماعية والسياسية ومراتبها الرسمية والشعبية لدى الخواص والعوام، أو ما يعرف بالتاريخ السفلي أو التاريخ من تحت. فالتراث العربي في مجال الكتابة الحرة قد وصف كل الطبقات، ومن هذه المؤلفات؛ فهرست ابن النديم، ووفيات الأعيان لابن خلكان، ومعجم الأدباء، فضلا عن كتب الطبقات العديدة. فقد وضع السخاوي فصلا عنوانه تصانيف التاريخ، وهو معني بما تتناوله حديثا التاريخانية الجديدة، والتي تولي اهتمامها بالمهمشين والمستضعفين وإلخ...فهو يورد إلى جانب تاريخ الأنبياء، والولاة، والقادة...تاريخ البخلاء، والطفيلية، والشجعان، والخرس، والأضرار، والمنجمين.... فكل هذه الجزئيات وغيرها مدارها الحياة اليومية والاجتماعية لكل الناس والطبقات. وهناك كتابات الأدب؛ حيث يختلط الخبر والنادرة والعلم والموقف الكلامي والفقهي... فهذه المخطوطات تحتاج لقراءة ودراسات تقوم بها المراكز البحثية؛ لوقوعها ضمن ما يعرف بالتاريخانية الجديدة، فهذا التاريخ من الأسفل، أو تاريخ العقليات والذهنيات، تتعاضد فيه المناهج الإنسانية والاجتماعية لمقاربة الموضوعات. ومادام التراث العربي يتضمن كل هذا، فإن الجهوزية – كما يذكر د. كوثراني- تحتاج للكشف البحثي عنها بجهود مؤسسة عربية.