نقد الشعر عند العرب حفريات في النشأة والتكون

Abstract

أولت الدراسات الحديثة نقد الشعر عند العرب عناية كبيرة، وانشغلت بالبحث في بواكيره، والتأريخ لبداياته الأولى، فاختلف أصحابها في ذلك اختلافا بينا وصل حد التضارب والتناقض الصارخين؛ إذ أرجع فريق منهم تلك البدايات إلى العصر الجاهلي؛ بينما أرجأها فريق آخر إلى أوائل القرن الثالث؛ وعاد بها فريق ثالث إلى القرن الرابع للهجرة، وضرب فريق رابع صفحا عن كل محاولات التفسير ومشاريع التأريخ، فانتقدها مبرزا مجانبتها للصواب، ودعا إلى التحرر من الأطر المفهومية والتصورية التي تؤطر البحث في الموضوع وتحوله مواقف إيديولوجية واضحة، والعمل بدل ذلك على صياغة تصور يؤسس لمقاربة علمية دقيقة، إلا أنه عجز عن تقديم تفسير بديل أكثر وضوحا وملاءمة لطبيعة النقد القديم وخصوصيته، وظل يتردد في تناقض واضح بين بعض تلك التصورات والتفسيرات المتضاربة، لينتهي إلى صياغة تأويل "آخر" لا يقل إيديولوجية عن التأويلات السابقة... وفي أفق استكناه موضوعي لنشأة نقد الشعر وتكونه عند العرب، وبغية تحديد دقيق لبداياته وعوامل تطوره ومظاهره، ينطلق الكتاب الراهن من قراءة جديدة تتخلص من التصور المفهومي الحديث للنقد الأدبي الذي أطر الدراسات السالفة وحال دون كشف مراحل نشأته وعوامل تطوره والإحاطة بها، فيتبنى بدل ذلك مسلكا منهجيا مغايرا قوامه الحفر عميقا في الآراء والمدونات التي حفظت أحكام العرب الابتدائية وانطباعاتهم المبكرة حول القيم والمحددات الجمالية، فيسائل أعلامها عن تصورهم لنشأة النقد، ويفحص مواقفهم من مختلف مراحل تكونه وتطوره، كما يحفر عميقا في نصوصها وأحكامها وتشكلات مصطلحاتها ليقف أولا عند الطبقات الدلالية الابتدائية لكلمة نقد واستعمالاتها المفهومية المبكرة، ويكشف شبكة مرادفاتها ومفاهيمها وإبدالاتها، فيرصد تحولاتها الدلالية والوظيفية التي سمحت لها بالانتقال من استعمالاتها اللغوية الأولى العامة إلى مجال التوظيف الاصطلاحي المتصل بالحكم على الشعر والشعراء، وذلك بالبحث عميقا في النصوص والمواقف المتصلة بذلك لتعيين بواكير نشأة مفهوم نقد الشعر وتكونه عند العرب، والعمل في أثناء ذلك على ربط كل تصور وحكم بالتصورات والأحكام السابقة والمتزامنة معه، والحرص على بيان الأمشاج الجمالية والنقدية بينها سواء كانت العلاقات القائمة بينها ظاهرة وقريبة أم خفية وبعيدة.