أزمة العلوم الاجتماعية في العالم العربي
Abstract
لا ينظر البحث إلى التحديات التي تواجه العلوم الاجتماعية في العالم العربي بصورة مستقلة، وإنما يود أن ينظر إليها في سياق التحديات (والأزمات) التي يمر بها المجتمع العربي في محاولة لاكتشاف نمط العلاقة بين أزمة المجتمع وأزمة العلم. وقد أراد أن يقوم في ضوء هذه الرؤية بدراسة استكشافية للإجابة على السؤالين التاليين: إلى أي مدى يمكن أن يصدق القول بأن الأزمة التي تمر بها العلوم الاجتماعية في العالم العربي ترتبط بأزمة أعمق يمر بها المجتمع العربي نفسه؟ وكيف يمكن لعلماء الاجتماعيات العرب أن يتغلبوا على أزمة العلم وأزمة المجتمع في آن واحد؟ وللإجابة على هذين السؤالين قدم الدكتور التجاني عرضا مختصرا لقضية التداخل بين أزمتي العلم والمجتمع، وأتبع ذلك بمراجعة نقدية للدراسات السابقة عن أزمة العلوم الاجتماعية في الغرب وما نجم عنها من اتجاهات نقدية، ثم تعرض لنشأة الأزمة في العالم العربي، ولما جرى فيه من محاولات لتوطين العلم. ويقدم في خاتمة البحث تصورا لما يمكن أن يسير عليه علماء الاجتماعيـات العـرب للتغلب على أزمة العلم والمجتمع. وقد انتهى الدكتور التجاني، بعد مراجعة الأدبيات السابقة، وتقديـم نمـاذج لمحاولات توطين المعرفة في العالم العربي إلى القول بأن بوادر الحل لهذه المعضلة قد تكمن في العمل من خلال صيغة (أو خطة توليفية يتعانق فيها المشروعان العلمي والسياسي القومي، وتكون لها ثلاثة الأضلاع؛ الأول يقوم على قيادة فكرية شعبية وسيطة (intermediary public intellectuals) والثاني يضطلع به علماء الاجتماعيات المحليون، والثالث يتعلق بالمجتمع العلمي العالمي. ويقوم جوهر هـذا النموذج، بحسب رؤيتـه، عـلى ضرورة إقامة علاقة جدليـة بـين الأفكار التـي يبلورها المفكرون الشعبيون أثناء حراكهم داخل المجتمع، والأفكار التي يطورها علماء الاجتماعيات داخل جامعاتهم، بحيث تقوم القيادة الفكرية الشعبية بوظيفة التعبير عن حاجات المجتمع ومصالحه العليا، واقتراح المشاريع السياسية القومية، كما تقوم من جهة أخرى بإلهام علماء الاجتماعيات وتحريضهم على البحث في تلك القضايا، أما علماء الاجتماعيات فسيتوجب عليهم اختبار المشاريع القومية المقترحة (كالتطور الصناعي، أو الوحدة الوطنية، أو التنمية الريفية، أو الديموقراطية الشعبية وغيرها، وربطها بمشاريعهم البحثية، وإخضاعها للنقد والتقويم، وذلك من خلال بحوث علمية جادة من خلال المناقشات العامة الحرة التي يتفاعلون فيها مع القيادات الفكرية الشعبية والحوارات والبحوث التي يتفاعلون فيها مع المجتمعات العلمية العالمية.