انعكاسات اتفاقية سيداو على القيم الأسرية
Abstract
تُعَدّ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) من أبرز الاتفاقيات الدولية التي تبنتها الأمم المتحدة منذ إقرارها عام 1979، وفي نسخها التي تم تطويرها في المؤتمرات اللاحقة، وقد انضمت إليها معظم دول العالم تحت شعار حماية المرأة وتعزيز مساواتها. غير أن هذه الاتفاقية، التي كثيرًا ما تُوصَف بأنها دستور عالمي لحقوق المرأة، لم تخلُ من إشكالات عميقة تثير تحفظات واسعة، وخاصة في السياق الاسلامي.
إذ الأمر لا يقتصر على مسألة قانونية أو حقوقية مجردة، بل يتعلق بجوهر المنظومة القيمية التي تحكم علاقة المرأة بالرجل داخل الأسرة والمجتمع. إذ بينما تنطلق الاتفاقية من رؤية ليبرالية غربية تفصل الإنسان عن أي مرجعية دينية أو ثقافية عليا، تقوم الشريعة الإسلامية على اعتبار الدين مصدرًا ملزمًا لتنظيم الحياة، بما في ذلك قضايا الأسرة والمرأة. وهنا يظهر التناقض الصارخ: كيف يمكن التوفيق بين مواد تُلزم بالمساواة المطلقة في كل المجالات، وبين نصوص شرعية قطعية تنظم العلاقة بين الجنسين على أساس التكامل والتوازن، لا على أساس التماثل المطلق؟
إضافة إلى ذلك، تُشكّل سيداو تحديًا مباشرًا للثقافة الوطنية في الدول العربية والإسلامية، حيث تقوم الهوية الجماعية على منظومة قيمية تمثل الأسرة فيها نواة المجتمع وحصنًا للهوية والدين. ولذلك فإن فرض بنود تُعيد تعريف الأدوار الأسرية أو تلغي الولاية والقوامة أو تشكك في ثنائية الذكر/الأنثى، يمثل تهديدًا مباشرًا لهذه القيم المركزية. لذلك جاءت التحفظات الرسمية للدول الإسلامية على مواد بعينها، وعلى رأسها المواد (2، 5، 15، 16)، باعتبارها مواد تتجاوز الحد الأدنى من الخلاف لتدخل في صدام مع الثوابت الشرعية نفسها.
من هنا، تنبع الإشكالية المركزية في هذا المقال: إلى أي مدى تمثل مخرجات سيداو تهديدًا للقيم الأسرية والخصوصيات الدينية والثقافية؟ وكيف يمكن بناء موقف نقدي متوازن يحقق العدالة للمرأة دون المساس بالثوابت الشرعية والبناء الاجتماعي؟