البناء الإيماني والنفسي للأسرة في ضوء التخطيط النبوي
Abstract
عنى الإسلام بموضوع الإدارة، فقد كانت الإدارة الإسلامية من أنجح الإدارات على مرّ العصور, ذلك أن الإدارة الإسلامية إدارة إلهية تستمد منهجها من وحي السماء، ولذلك فهي تتسم بالشمولية وملائمة الفطرة الإنسانية على مختلف الأزمنة والأمكنة، وقد كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم نموذجاً حياً لتلك الإدارة فكراً وممارسة، وقولاً وعملاً.
وقد اشتملت الإدارة الإسلامية على أربعة عناصر رئيسة هي: التخطيط والتنظيم والرقابة والتقويم. وكان التخطيط النبوي أحد العناصر المهمة لإنجاح الإدارة الإسلامية وجزءاً من التكليف الإلهي، وهو يعني: التصور المستقبلي المبني على الدراسة والتحليل والإحصائيات الثابتة للعمليات المستقبلية ويكون عادة قبل التنفيذ.
لقد كانت قدرة الرسول صلى الله عليه وسلم فائقة في الإعداد والتخطيط في شتى مناحي الحياة، فقد مارس تخطيطاً دعوياً تمثل في التدرج الملحوظ في بداية الدعوة، ومدى حرصه على التكتم والسرية، وحسن إختيار الأسلوب والوسيلة المناسبين لنجاح الدعوة، كما مارس صلى الله عليه وسلم تخطيطاً سياسياً سعى فيه الى تحكيم شرع الله تعالى في أرجاء المعمورة، وقد اتسم هذا التخطيط بالسلمية ونبذ العنف والتحلي بخلق الصبر، وفي المعارك والغزوات أظهر فنوناً عدة في التخطيط تدل على البراعة وحسن القيادة، وفي مجال التربية والتعليم، وعلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي فقد انشأ مجتمعاً فريداً من نوعه تجسدت فيه مبادئ العدالة الاجتماعية والقيم الأخلاقية، وكذا إقامة قواعد الشورى بين الراعي والرعية، وصدق الله تعالى حين قال:( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً). الأحزاب: 21.
وهكذا فقد ظهر التخطيط في الإسلام منذ بزوغ فجره، وكان مرافقاً له في جميع تراتيب الحياة سواء كانت على مستوى الفرد أو الأسرة أو الجماعة، أو على المستوى الدولي. وقدا بدا ذلك جلياً في حادثة الحجرة، ما فيها من دروس وعبر عديدة في التخطيط وحسن العمل، وتوقع الأحداث المستقبلية. ويُعدٌ التخطيط الأساس اللازم لتنفيذ الأعمال على أسس علمية مدروسة توضح طرق ووسائل تنفيذها بما يحقق الكثير من الجهد والوقت.
فهو إذاً بمثابة الطريق الذي يُرشد الى سبل تحقيق الأهداف بكفاءة عالية وفعالية عالية جداً بعيداً عن العشوائية والارتحال، واللذين يؤديان الى إهدار الطاقات والامكانيات دون الوصول الى الهدف المطلوب.
والتخطيط بحد ذاته قديم، فقد مارسه الانسان لتنظيم وبناء الكثير من جوانب حياته، ولمواجهة مستقبله، ولحل المشاكل والأزمات التي طريقه، فهو إذاً نشاط انساني تطور عبر العصور وأصبح عاملاً له أهميته البالغة في تنظيم وبناء المجتمعات.
فالتخطيط وسيلة مهمة، ومرتكز أساس انطلقت من خلاله الدعوة الإسلامية وتجلى ذلك في كثير من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ومنها قوله تعالى " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" المائدة: 48، أي سبيلاً وسنةً وطريقاً سهلاً واضحاً الى المقاصد الإسلامية.
ومن الجدير بالذكر إن تأخر المسلمين اليوم عن قيادة الإنسانية نتيجة منطقية لقوم نسوا رسالتهم, وحطوا من مكانتها، وشابوا معدنها بركام هائل من الأوهام في مجال العلم والعمل على حد سواء، وأهملوا السنن الربانية والكونية، وظنوا أن التمكين قد يكون بالأمانى والأحلام دون إعمال الفكر وبذل الجهد والأسباب. لذا فإن من واجب الأمة في هذا العصر أن تؤمن برسالتها وتثق بنفسها، فتبحث عن التخطيط المناسب لبناء الأسرة والمجتمع بناء شاملا متكاملاً لتتمكن من أداء رسالتها الإيمانية والإنسانية.
وبناء على ذلك فلا يوجد مجتمع من الجتمعات البشرية ف أي دولة كانت في التاريخ إل ولجأت الى التخطيط أفراداً وجماعات، حتى وإن أخذت شكلاً بدائيا، ولم يكن ثمة خلاف بينه وبين التخطيط المعاصر إلا في الوسائل، وحجم الخطة.
وبناء على ما تقدم يتبيّن أهمية التخطيط في بناء المجتمعات باعتباره الوسيلة الوحيدة لرسم برامج المستقبل على أسس مدروسة ومحسوبة، والإسلام ينظر الى التخطيط على أنه الحل الجذري للكثير من الأزمات الناجمة عن العشوائية والارتحال، والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم كان قائداً مخططاً من الدرجة الأولى, استطاع تعبئة جميع القوى والمصادر والمواد المتاحة لبناء وتنمية المجتمع الإسلامي.
وقد إرتأيت في بحثي هذه أن أتناول أثر التخطيط النبوي في البناء الإيماني والإنساني للأسرة، وقد اشتمل على ثلاثة مباحث وكما يِأتي:
المبحث الأول: مفهوم التخطيط وأهميته، وما المقصود بالتخطيط في المنظور الإسلامي، وما الأدلة على مشروعيته في القرآن الكريم والسنة النبوية.
المبحث الثاني: أثر التخطيط النبوي في البناء الإيماني للأسرة.
المبحث الثالث: أثر التخطيط النبوي في البناء النفسي للأسرة
DOI/handle
http://hdl.handle.net/10576/18461Collections
- Creed and Dawa [144 items ]