حضور علم النفس الحديث في منهج مالك بن بني في دراسة الحضارة

Abstract

إن المتتبع لكتابات مالك بن نبي في تشخيصه لأزمة التخلف الحضاري في العالم الاسلامي، يجد أنه أدرك في وقت مبكر عدم إمكانية تشخيص أزمة العالم الإسلامي من خلال التحليل السطحي لها، لذلك انتقد الاتجاهين السائدين في العالم الإسلامي الحديث المتمثلين في الاتجاه الإصلاحي والاتجاه التحديثي، وذلك لأنهما لم يتطرقا إلى تشخيص دقيق للأزمة ولم يحددا مسبباتها الحقيقية. كما انتقد أيضاً أولئك الذين وضعوا اللوم على العوامل الخارجية وتجاهلوا العوامل الداخلية . وبالرغم من اعتراف بن نبي بجهود كلا الاتجاهين المذكورين آنفاً، فإنه لفت الانتباه إلى افتقارهما إلى منهج واضح لمشكلة النهضة في العالم الإسلامي. وبشكل أكثر تحديداً، فإن تلك الجهود كما يقول: "ليس فيها تحليل منهجي للمرض، أعني دراسة مرضية للمجتمع . مما يؤكد أن الجهود المبذولة لإحداث نهضة في العالم الإسلامي لم تقدم أسلوبا منهجياً لحل الأزمة في المجتمع الإسلامي. ومن هذا المنطلق، قام بن نبي بمراجعة نقدية للاتجاهات والأفكار المختلفة في العالم الإسلامي الحديث، ليس فقط لفهم موطن الخلل فيها، ولكن لتطوير أفكاره الخاصة وأطروحاته من أجل التجديد الحضاري أيضاً . كما انتقد بن نبي أولئك الذين يعتقدون أن سبب الأزمة هو نقص في الوسائل والأدوات، وكان يرى أن المشكلة متجذرة في الثقافة الإسلامية في فترة ما بعد عصر الموحدين. ولهذا السبب كان يقول: "الواقع الماثل في امتداد نهضة العالم الإسلامي عبر قرن كامل من الزمان، دون أن تتوصل حتى الآن إلى النتيجة التي بلغتها مجتمعات أخرى انطلقت من نفس النقطة، لا يعزى لفقدان الوسائل، وإنما يرجع إلى فقدان الأفكار . وتبعاً لمنظور بن نبي فإنه لمن الضروري الأخذ بعين الاعتبار التطور التاريخي الجوهر الأزمة في العالم الإسلامي بدلاً من مظهرها، وذلك من أجل فهمها ومعالجتها، حيث لم تظهر تلك الأزمة مع عصر الاستعمار ولكنها ظهرت في فترة ما بعد عصر الموحدين، ومهدت الطريق لقبول الاستعمار .