الجزيرة .. الرقم الأصعب
Abstract
المطالبة بإغلاق قناة الجزيرة ليست سابقة من نوعها فحسب، خـاصـة بالنسبة لقناة بحجم قـنـاة الجزيرة ووزنها، ولكنها أيضا اعتداء على حق أصيل للمواطن العربي، وهو حرية الحصول على الخبر والمعلومة من أي مصدر شـاء، وتضرب -هـذه المطالبة- قضية حرية الرأي والتعبير المنشودة في بلداننا العربية في مقتل، وتريد به العودة إلى عصر الصوت الواحد! صحيح أن قناة الجزيرة هي الأولـى من نوعها عربيا، كقناة إخبارية متخصصة، توسعت بعد ذلك لتصبح شـبـكـة إعـلامـيـة مـتـكـامـلـة، ولـكـن هـنـاك قـنـوات عـديـدة ظـهـرت بـعـدهـا لمـنـافـسـتـهـا، عـلـى غــرار قـنـاة الـعـربـيـة والنيل الإخبارية وغيرهما من القنوات الأخــرى، غير أن تلك القنوات المنافسة خطت مرة، وتعثرت مرات، في حين ظلت قناة الجزيرة تحرز دوما قصب السبق في مضمار الإعلام العربي الإخباري المتخصص. قناة الـجـزيـرة هـي الأولــى عربيا، دون منافس، يشهد على ذلك كم الدراسات العلمية الأكاديمية التي أنجزت في عدد من الجامعات العربية، وهي دراسات محايدة، كثيرا ما احتلت فيها قناة الجزيرة المركز الأول كقناة يفضلها الجمهور العربي، ويحرص على مشاهدتها، سواء في الأوقات العادية، أو في زمن الحروب والأزمات، ونـادرا ما جـاءت في المرتبة الثانية أو الثالثة، في حين تخلف غيرها من القنوات الأخــرى، ومنها من يعيش عـلـى التغني بماضيه الإعـلامـي المـجـيـد، ويـصـر على ادعاء الريادة الإعلامية، في زمن لم يعد فيه "رائد" واحد، وإنما هناك عدة "رواد"، بدلا من الأخذ بسبل التطوير والـتـحـديـث، وتـوسـيـع مـسـاحـة حـريـة الــرأي والتعبير، والاعتراف بمبدأ المنافسة في عالم تشتد فيه المنافسة الإعلامية، وتستعر يوما تلو آخـر. أمـا على المستوى الـدولـي، فقناة الجزيرة هي "المـاركـة" الإعلامية العربية الأولــى الـتـي يـعـرف أو يسمع بـهـا الـجـمـهـور الأجـنـبـي، كما أنها تلقى عناية من الأوسـاط الأكاديمية، وهناك دراســـات وكـتـب كـثـيـرة يـعـتـد بـهـا، أنـجـزت حــول هـذه الـقـنـاة، وقــام بـهـا بـاحـثـون وأكـاديـمـيـون فـي عــدد من الجامعات والمؤسسات العلمية الأجنبية. مطالبة دول الحصار بإغلاق قناة الجزيرة، أو حتى تعديل خطابها الإعـلامـي، ينطوي على تناقضات عـديـدة، فهم يـرون أنها قناة لم يعد لديها مصداقية، ولا يتابعها الجمهور العربي على نحو كبير.. فإذا كانت قناة الجزيرة على هذا النحو من الضعف والوهن، فلم تطالبون بإغلاقها؟ هل رأيتم أو سمعتم يوما ما -مثلا- أن صاحب متجر، يطالب بإغلاق المتجر المجاور له، والذي لا يقبل الناس عـلـى شـــراء بـضـاعـتـه؟ تـنـاقـض غــريــب، ومــحــرج في الـوقـت نفسه! الحملة المـسـعـورة على شبكة الجزيرة، تستفز عقلية المـشـاهـد الـعـربـي وفطنته، وتـدفـعـه إلى الـتـفـكـيـر، بـل والاسـتـنـتـاج بــأن الـخـوف مـن انـكـشـاف المستور -ومـا أكثره- هو الـذي يقف وراء هـذه الحملة، وتصفية الحسابات مـع القناة التي وقفت إلـى جانب تـطـلـعـات الـشـعـوب الـعـربـيـة فـي التغيير الــذي تنشده، وهــي الـغـايـة مـن وراء المـطـالـبـة بـإغـلاق قـنـاة الـجـزيـرة. نجاح شبكة الجزيرة بوجه عـام، وقناة الجزيرة بوجه خـاص، ليس سـرا، ووصـفـة النجاح والتميز معروفة، ومتاحة للجميع، فالمعادلة -من وجهة نظري- تتمثل في استقطاب الكفاءات الإعلامية المتميزة، وتوفير مساحة من الحرية الإعلامية، والانفتاح على جميع الآراء مهما كـان الاخـتـلاف معها، والـسـبـق إلـى الأخــذ بكل جديد في عالم التكنولوجيا. فقناة الجزيرة، تحاول أن تكون منبرا يتسع لجميع الآراء المتعارضة، وتحرص دوما على حضور من يمثلون طرفي القضية، وبخاصة في القضايا الشائكة والحساسة، وما أدارت يوما ظهرها للآخر، وإنما الآخرون هم من أداروا لها ظهرها، وعزفوا -أو هربوا- عن مواجهة خصومهم، فعلى من يقع اللوم فـي هكذا مـواقـف؟ أمـا فيما يتعلق بالمطالبة بترشيد الخطاب الإعـلامـي، فحري بالقنوات التلفزيونية التي انـحـدرت إلـى مستوى دعاية غير مسبوقة، وانحدرت منحدرا خطيرا، وصل حد التحريض المباشر -وليس المستتر- على النيل مـن دول أخـرى شقيقة، أن تقوم بـتـرشـيـد خـطـابـهـا الإعـلامـي قـبـل أن تـطـالـب الآخـريـن بذلك. وتبقى قناة الجزيرة كغيرها من المنابر الإعلامية، اجـتـهـادا بشريا، قـد نتفق معها أحـيـانـا، وقـد نختلف أخــرى، وتـلـك مسألة طبيعية فـي عـالـم الإعــلام، لكنها تبقى الرقم الأصعب الذي لا يمكن تجاوزه.
DOI/handle
http://hdl.handle.net/10576/6176Collections
- Arabic Language [129 items ]