الدراسات البينية في العلوم الشرعية: التاريخ والواقع والآفاق

Abstract

تمهيد في طرح الإشكال: تشهد المعرفة المعاصرة زخما كبيرا من حيث كثرة علومها وفروعها ومناهجها وتطبيقاتها، بفعل التطور الحضاري الذي تعرفه البشرية. وتعتبر العلوم الشرعية واحدة من المجموعات المعرفية التي تختص بدراسة النص الشرعي في مختلف جوانبه وبناء الشخصية المسلمة علميا بما يحقق فهما قويما للشرع واهتداء بقيمه وأحكامه، كما تعتبر مهمة في توفير المادة المعرفية والمنهجية لبناء الحياة الطيبة التي جاء الإسلام لتحقيقها، وتحقيق الاستخلاف وعمارة الأرض. وإذا كان الاتجاه نحو التخصص الدقيق هو السمة الغالبة على البحث والتفكير العلمي، وتوجها كبيرا للتخصص والاعتناء بتحديد موضوعات ومجالات ومناهج كل علم إلى منتصف القرن العشرين، فإن آليات العولمة وتفجر الثورة المعلوماتية قد فرضت على العالم اليوم توجهات وأفكار مغايرة تؤكد وحدة المعرفة وأهمية التجسير بين العلوم والمعارف والتكامل بني التخصصات فيما صار يعرف بـ(الدراسات البينية). وهذا التوجه الجديد الذي هو "الدراسات البينية" صار يهتم بمقاربة القضايا والموضوعات والمقررات الدراسية من أكثر من علم، وذلك بفعل تشابك الحياة وارتباط الموضوعات ببعضها البعض، ووجود أكثر من بعد واحد لمختلف القضايا تحت الدراسة. ولتحقيق أكبر قدر من الدراسة العلمية للموضوعات المطروحة، فقد صارت الدراسات البينية توجها واسع الانتشار، تسعى إليه الجامعات ومراكز البحوث والمجلات الأكاديمية في دراسة الموضوعات. ومن بين حقول المعرفة المعنية بالبينية، نجد العلوم الشرعية التي تعد من حقول المعرفة التي لا يمكن أن تنعزل عن سياق تطور المعرفة المعاصرة، بالرغم من أهمية المحافظة على خصوصيتها المعرفية والمنهجية والقيمية. وبخاصة أن المشتغلين بالعلم الشرعي اليوم تدريسا وبحثا، يواجهون أسئلة تتعلق بمصادرها، ومناهجها، وتطبيقاتها، وصلتها بالعلوم الأخرى، وبمدى قدرتها على استثمار المعطى المعرفي المعاصر وتحقيق الدراسات البينية فيها لمزيد من تعميق درسها وتدريسها وتوظيفها. ‏وهذا ما يجعل "الدراسات البينية مطلباً مهماًّ في ظل التطور المتسارع في ميادين العلم والمعرفة والبحث العلمي لتواكب احتياجات ومتطلبات السوق. ومع إغفال العناية بالعلوم الإنسانية والتخصصات الشرعية في إثراء سائر مجالات المعرفة والبحث العلمي، مما يجعل الدراسات البينية في التخصصات الشرعية مطلباً في الجامعات والمراكز البحثية، لفائدتها العظيمة لمخرجات التخصصات بتكوين عقلية علمية أكثر شموليه وتكاملية لتلبية احتياجات المجتمع وسوق العمل، وعلاج أوجه الضعف في المهارات الوظيفية للخريجين في التخصصات الشرعية. وهذا يدعوا إلى دراسة واقع التخصصات الشرعية ومدى اشتمالها على المعارف والمهارات المهنية اللازمة لممارسة المهنة، وإبراز أهمية الدراسات البينية بالنسبة لهذه التخصصات سعيا وراء النظر في إيجاد حلول علمية أكاديمية لها من خلال برامج الدراسات البينية" . وبالرغم من حداثة موضوع الدراسات البينية، فإن هناك من يطرح فكرة وجودها في تراثنا العلمي، بمسميات عدة، منها مسمى "التداخل" ومسمى "التكامل". وفي هذا السياق فإن هذه الورقة تحاول دراسة موضوع "البينية في العلوم الشرعية: التاريخ والواقع والآفاق"، وتحليله ماضيا وحاضرا وفي آفاقه المستقبلية. والهدف من ذلك هو معرفة مدى تحقق البينية او مثيلاتها في العلوم الشرعية تاريخيا، وواقع هذه العلوم اليوم، وكيفية الاستفادة من تجربة التاريخ وحقيقة الواقع لبناء مستقبلا للعلوم الشرعية تحافظ فيه على خصوصيتها المعرفية والحضاري وتنفتح فيه على سقف المعرفة المعاصر استمدادا ونقدا. ولتحقيق ذلك، تحاول هذه الورقة ان تتناول موضوعها في مباحث أربعة: أولاً، تحليل مفاهيم البينية والمفاهيم القريبة منها. ثانيا: التداخل في العلوم الشرعية: المنجز التاريخي ثالثا: التكامل في العلوم الشرعية: واقع الحال رابعا: البينية في العلوم الشرعية: آفاق الاستفادة.