اللسان والعمران: مقاربة في انتشار العربية في العالم القديم

Abstract

شهدت اللغة العربية انتشارًا واسعًا في الجغرافيا والثقافات والألسنة في القرون الوسطى؛ إذ شمل امتدادها القارات الثلاث: آسيا وأفريقيا وأوروبا وهي مساحة الدولة الاسلامية التي امتد نفوذها من خراسان شرقًا إلى الأندلس وشمال أفريقيا غربًاء ولم يكن ذلك الانتشارٌ والامتدادٌ لينجحا لولا وجود سياسة لغوية ضمنية انتهجها العرب والمسلمون الأوائل في سبيل بلورة رؤى وأفكار قادت إلى إنتاج برامج لسانية تعتمد التخطيط اللغوي. وبحسب ابن خلدون، فإن اللغة العربية مثلت عنوان العمران البشري الذي خلدته أعمال المسلمين التي لا تزال شاهدة على حضورهم التاريخي. وهويتهم الإبداعية وفاعليتهم الإنتاجية وخصوبتهم المعرفية. لقد كانت اللغة العربية الوسيلة التي انتشر بها الإسلام وتعاليمه ومبادئه في بلاد العرب وشبه جزيرتهم، غير أن الإسلام غداء بعد ذلك حاملا مفاتن اللغة العربية ولسان العرب ونشره في جميع الأمصار التي وصلتها حوافر خيول المسلمين واخفاف نياقهم وصواري سفنهم. ثم أصبحت اللغة العربية بعد ذلك جهازًا في إنتاج المعارف والعلوم للشعوب والأمم التي تمثلت العربية بوصفها لغة ظافرة ولسانًا قابلًا لاستثمار. تُحاجج هذه الورقة بأن انتشار اللغة العربية في العالم القديم كان يصدّر عن سياسة لغوية ضمنية لم يُصرّح بها لأسباب ترتبط ب «غياب النظرية الواصفة». كما أن التراث العربي الإسلامي شهد برامج تخطيط لغوي مُعلنة تستحق المراجعة والنظر. إن البحث في ملامح السياسة والتخطيط اللغوين عند العرب والمسلمين الأوائل من شأنه أن يسهم في تعميق الوعي بهذين المطلبين المُلحّين في الواقع اللغوي العربي المعاصر. والبحث في جدواهما ومباعدهما، والنظر في إمكانية تطويرهما واستثمارهما والافادة منهما في حل المعضلات التي تواجه الهوية اللغوية في الوطن العربي وتهدد أمنه اللغوي؛ ذلك أن انتشار اللغة العربية. في العالم القديم، مثل طفرة لسانية عزّ نظيرها في الألسنة والثقافات الأخرى.