التبعية الفكرية: المفكرون العثمانيون المتأخرون بين الفقه وعلم الاجتماع
الملخص
أدت الحداثة إلى إحداث تبعية العالم الإسلامي فكريًا للغرب فيما ما يخص النظريات الاجتماعية. الفعل الإنساني (العمل) هو موضوع البحث في كل من الفقه وعلم الاجتماع الغربي (من بين كل تلك العلوم التي تحاول أن تطبّق المناهج التجريبية المستمدة من العلوم الطبيعية على نطاق المجتمع البشري، بما فيها التربية والقانون). وعلى الرغم من اختلافهما من نواح عديدة، فإنهما يمتدان على نطاقات فكرية متداخلة، فقد غزا علم الاجتماع بأشكاله المختلفة المجالَ الذي يحتله الفقه عادةً، وحلَّ ممثلوه المهنيون، كالأكاديميين والقانونيين والتربويين والكُتّاب، محلَّ الفقهاء. تشير هذه المقالة إلى النزاع الجدلي بين الفقه وعلم الاجتماع الغربي الذي شكل تاريخ الفكر الإسلامي منذ القرن التاسع عشر، وتكشف عن ذلك النزاع الكامن بضرب أمثلة من المفكرين العثمانيين المتأخرين، أمثال ضياء غوق ألب (Ziya Gökalp)، وسعيد حليم باشا(Said Halim Pasha)، وإسماعيل حقي الإزميري (İzmirli İsmail Hakki). وقد أحدث ذلك النزاع في الحالة العثمانية شقًّا جديدًا في المجتمع الفكري الإسلامي بين دعاة علم الاجتماع ودعاة الفقه. لكن الكثير من المفكرين، وحتى بعض الفقهاء، حاولوا أن يوجدوا توليفةً بين كلا المجالين. وبعد انهيار الإمبراطورية العثمانية تبنَّت الجمهورية التركية الحديثة سياسة التغريب بالجملة، والتي كان أحد عناصرها تبني علم الاجتماع الغربي ليحل محل الفقه في تفسير عمل الإنسان وأمره به. هذا التدخل في الحياة الفكرية زاد من تبعية المفكرين الأتراك المعاصرين للدولة، وهو وجه آخر من أوجه تبعيتهم التي تفصِّل فيها هذه المقالة. أدت المواجهة التي تزايدت في كثافتها بين الحضارتين الإسلامية والغربية خلال القرن التاسع عشر أخيرًا أيضًا إلى ربط الفقه وعلم الاجتماع الأوروبي بين المفكرين العثمانيين