مظاهر التجديد في فكر مالك بن نبي
الملخص
الخلاصة : أن فكر مالك بن نبي يمثل ثقافة مزدوجة عالمیة : إسلامیة وغربیة ، وبحكم سعة أفقه وعمق تفكیره وثبات عقیدته ، استطاع أن يستقرئ الواقع الإسلامي ، ويكشف عن حالة تشتته ، ومن ثم طرح رؤيته فیما شكل حلاً لمشكلة الركود أو التخلف الذي يعاني منه العالم الإسلامي ، أو ً منھاجا للنھوض أو الإقلاع الحضاري، وكان بن نبي ينطلق في رؤيته من مباني الإسلام وتوجیھاته للفكر والسلوك ، ودعوته لتغییر النفس وتصفیتھا ، ولاحرج في استخدام كل الوسائل والمناھج التغییرية التى لا تعارض الدين ولا تعاديه، ومنھا الانفتاح على الحضارة الغربیة ، والاستفادة منھا . وھو بذلك لا يجعل العالم الإسلامي ً تابعا للغرب _ كما يتھمه بعض الباحثین في الزعم : بأن مالك يرى خلود الحضارة الغربیة ، ومن ھنا فإن إعادة تشكل الحضارة الإسلامیة لن يكون إلا بمتابعتھا لھا .
ومن يقرأ مالك بن نبي لا يصعب علیه اكتشاف خطأ ھذا الرأي، لأن بن نبي لا يمكنه تبني ھذه الفكرة ، وأقواله وأراؤه الكثیرة شاھدة على ذلك ، نذكر منھا : قوله : « إن علینا أن نأخذ من الحضارة الغربیة الأدوات التى تلزم في بناء حضارتنا .. حتى يأتي يوم نستطیع فیه الاستغناء عنھا بمنتجاتنا» .
ويحذر بن نبي من ناحیة أخرى من الأفكار المعادية لنا من أن تجتاحنا يقول:« إن كل فراغ أيديولوجي لاتشغله أفكارنا ينتظر ً أفكارا منافیة معادية لنا » ، وھذا لايمنع كما يرى من الاستفادة من تجارب الآخرين ، التى ھي أمر مطلوب حتى من الشرع، يقول: «وإنه لمن المستحسن أحیانًا أن نعید التفكیر في تجربة غیرنا عندما تكون قابلة للتطبیق على حالتنا نحن لكي نكیفھا مع شروطنا الخاصة» .
كل ذلك يشھد لمالك بن نبي بأصالة الفكر وتمیز المنھج وتوازن النظرة ، ويمكن القول : أن المنحى الذي اتخذه في دراسة العالم الإسلامي ، وفي التجديد وشروط النھضة يكاد يكون ً فريدا من نوعه بین دراسات الرواد والمصلحین . وربما أمكن ّ عده (ابن خلدون) العصر ، أو الخطوة اللاحقة والمكملة لدراسات ابن خلدون . ويبدو أن ھذا اللون من الدراسات والمناھج الاجتماعیة الحضارية مغربي أكثر من مشرقي. وقد يضاف إلى ھذا اللون من الدراسات ويلحق بھا: البحث في (مقاصد الشريعة) وتحقیق أغراض النصوص؛ وكما شھد العالم الإسلامي بین يدي دخوله في عصر الركود ابن خلدون والشاطبي ، فقد شھد بین يدي عصر النھضة مالك بن نبي وابن عاشور وعلال الفاسي .
لم يكن مالك بن نبي ً مفكرا ً بارزا وصاحب نظرية في الحضارة فحسب، بل كان كذلك ً مؤمنا شديد الحماسة، ظل تخلف المسلمین يقض مضجعه ويشغل باله السنوات الطوال ، وقد توفي رحمه الله ، والأمل في نھضة العالم الإسلامي واستعادته لدوره الحضاري _ أو دورته الحضارية _ يملأ نفسه وقلبه.
DOI/handle
http://hdl.handle.net/10576/17063المجموعات
- العقيدة والدعوة [143 items ]