الحقوق الفكرية في القوانين القطرية
الملخص
يُشير لنا الواقع المعاصر، أن أبرز تجليات الإِبْدَاعات والاِبتِكَارات والاكتشافات الإِنسَانيَّة النافعة قد جاءت فِي حقل الحُقُوق الفِكْرِيَّة. فلا غرو أن يكون نطاق هذا الحقل رحبًا بلا ريب. ذلك أنه ينصرف إِلَى جميع صور ما ينتجه «العقل البشري» من أفكار محددة، تظهر فِي أشياء ملموسة فِي نطاق الإِبْدَاع فِي العلوم والآداب على وجه العموم. كما أنه يتسع إِلَى ما فِي جعبة العقل البشري من إِبْدَاعات أو اِبتِكَارات أو اكتشافات فِكْرِيَّة جَدِيدَة، قد يجود بها فِي قادم الأيام، وتُضاف إِلَى القائم منها فِي حقل الحُقُوق الفِكْرِيَّة اليوم، كونه حقل لا يتوقف ثَمره على الدوام.
وعليه يمكن القول: إن العالم الحديث، قد دخل فِي ظل واقع متطور، ودار ظهره للحياة التقليدية، وأقبل على الحياة الحديثة، والمحكومة بالتقنية المتجددة، والصناعات المبتكرة. الأمر الذي أدى إِلَى التأثير القوي على النَّشَاط الإِنسَاني فِي معظم المجالات المتعددة، لدرجة يصح معها القول إننا فِي عالم متغير ، يهمن عليه العنصر الرقمي ، بقوة لافتة. الأمر الذي يجعل من القول: إن «الوَحَدةُ فِي التَّنَوُع»، قول فيه من الصحة إِلَى أبعد مدى .
ولذلك أصبح إِنسَان اليوم يعيش حقيقة فِي عالم رقمي متغير، تقوده الثورة التقنية التي أصبحت عنوانًا لعصرنا الحالي، نظرًا للجهود الفِكْرِيَّة العملاقة الذي بذلها الإِنسَان خلال مسيرة حياته، وما تمخض عن ذلك من إِبْدَاعات متنوعة، واِبتِكَارات مختلفة، واكتشافات متعددة، فِي كافة المجالات، ومفيدة للإِنسَانيَّة جمعاء.
وقد أصبحت الإِبْدَاعات والاِبتِكَارات والاكتشافات الإِنسَانيَّة، تُعطي لأصحابها حُقُوق محددة، حسب المقتضى القَانُوني، وأبرزها: «حُقُوق المُؤَلِّف، والحُقُوق المتعلقة بها، والعَلامَات التِّجَارِيَّة، والمُؤَشِّرَات الجُغْرَافِيَّة، والتَّصَامِيم (الرُّسُوم والنَّمَاذِج) الصِّنَاعِيَّة، وبَرَاءَات الاِختِرَاع، والتَّصَامِيم (الرُّسُومات الطبوغرافية) التخطيطية للدَّوائِر المُتَكَامِلَة والمعلومات غَيْر المكشوف عنها (السرية)» .
وغير خافٍ، أن هذه الحُقُوق قد أسهمت، بقوة لا تُنكر، فِي تغيير وجه العالم. الأمر الذي فرض تحديات كبيرة على أهل الاقتصاد والاجتماع والسياسة على وجه العموم وعلى أهل القَانُون على وجه الخصوص، مما دفعهم إِلَى الاجتهاد فِي التصدي للبحث عن نظام قَانُوني يهدف تنظيم وحِمَايَة ما قذف به العقل البشري من الإِبْدَاعات والاِبتِكَارات والاكتشافات، يوازن بين حُقُوق أصحابها فِي قطف ثمارها، تقديرًا لجهودهم المَعْنَويّة والمَاليَّة فِي الوصول اليها، وبين تمكين المجتمع من الانتفاع منها بصورة عادلة أو مناسبة فِي أقل تقدير. وقد اختلف الفِقْه -كما سنرى- بشأن هذه الحُقُوق المستجدة، لجهة بقائها فِي دائرة «الملك المشاع» أم دخولها دائرة «الملك الخاص»، وقد رجحت كفة القائلين بوجوب دخولها دائرة هذا الأخير، ومن ثم استحقاقها الحِمَايَة القَانُونِيَّة، ولكن اختلف الفِقْه مجددًا بشأن تحديد المسمى الذي يجمع هذه الحُقُوق تحت مظلة القَانُون، والراجح -كما سنرى- أنهم قد وجدوا ضالتهم فِي أن يطلق على هذه الحُقُوق مسمى «حُقُوق المِلْكِيَّة الفِكْرِيَّة» .
كما أنه غَيْر خافٍ، أن حُقُوق المِلْكِيَّة الفِكْرِيَّة، بجميع عَنَاصِرها المذكورة آنفًا، تأتي على رأس عوامل تقدم البشرية جمعاء، وبخاصة القائم منها على التقنية، كبَرَاءَات الاِختِرَاع التي تتغذى على العقل، ذلك أنها أسهمت بقوة فِي نقل الإِنسَان من حال عادي إِلَى حال استثنائي. ومن ثم نقل المجتمعات من معيشة تقليدية إِلَى معيشة استثنائية. الأمر الذي جعل التغير المتسارع، السمة الأبرز لعالم اليوم، على المستوى الاقتِصَاديّ (زراعي وصنَاعِيّ وتجَاريّ) والاجتِمَاعِيّ (أخلاقي وسياسي وقَانُوني) وتحكمه التقنية، وتُسيّره الآلة.
وقد تمت رعاية هذه الحُقُوق -تنظيمًا وحِمَايَة- من المُشْتَرِع (المقنن) الدولي منذ أمد بعيد ، كما زاد من ذلك فِي الوقت الحاضر . كما لم تغب حُقُوق المِلْكِيَّة الفِكْرِيَّة عن رعاية المُشْتَرِع الوطني، فقد سن المُشْتَرِع القَطَرِيّ –مثالًا لا حصرًا- بشأنها عدة قَوَانِين .
وفي ضوء ذلك كله، أضع هذا المُؤَلَّف بين يدي كل مُهتم بالعلم القَانُوني فِي هذا الحقل القَانُوني الجديد والمتجدد، وبخاصة أصحاب الاختصاص، ورجال القَانُون، وأهل العدالة فِي دولة قطر، وطلبة العلم فِي كلية القَانُون بجامعة قطر وشقيقاتها فِي كل مكان. ويحدوني الأمل الطيب فِي أن يَلقى قبولًا حسنًا لدى القارئ والمعلم والمتعلم. كما يحدوني الرجاء الشديد فِي أن يكون الجهد فِي وضعه، خالصًا لوجه الله الكريم، والحمد لله عز وجل، من قبل ومن بعد.
DOI/handle
http://hdl.handle.net/10576/35500المجموعات
- أبحاث القانون [286 items ]
وثائق ذات صلة
عرض الوثائق المتصلة بواسطة: العنوان، المؤلف، المنشئ والموضوع.
-
الحماية المدنية للعلامة التجارية غير المسجلة في الأردن : دراسة تحليلية نقدية للمادة 34 من قانون العلامات التجارية الأردني
الطراونة, مصلح أحمد; صلاح, زين الدين; AL Tarawneh, Mosleh A.; salah, Zaineddin ( جامعة مؤتة , 2009 , Article)يتضمن هذا البحث, دراسة تحليلية نقدية للمادة 34 من قانون العلامات التجارية الأردني التي نصت على أنه: "لا يحق لأحد أن يقيم دعوى بطلب تعويضات عن أي تعد على علامة تجارية غير مسجلة في المملكة الأردنية الهاشمية إلا أنه يحق له ... -
ترقين العلامة التجارية في القانون الأردني
زين الدين, صلاح سلمان ( مجلس النشر العلمي - جامعة الكويت , 2009 , Article)إذا كان من المسلم به، أن الحق في العلامة التجارية، يكتسب بوسيلتين اثنتين لا ثالث لهما؛ الأولى: الاستعمال، والثانية: التسجيل، فإنه- أي الحق في العلامة التجارية- ينقضي لغير سبب، البعض منها محل تسليم والآخر محل نظر. لذلك، ... -
إعادة هيكلة الشركات التجارية المتعثرة في صوء القانون القطري
المهندي, محمد لحدان (2021 , Master Thesis)اهتمت الدراسة بموضوع " إعادة هيكلة الشركات التجارية المُتعثّرة في ضوء القانون القطري". وهو موضوع له من الأهمية والوجاهة الشيء الكثير؛ سواء على المستوى النظري والعملي من جهة، أو من خلال طبيعة أثره المُنعكسة بصفة مباشرة على ...