الأديان غير الكتابية عند الباقلاني من خلال كتابه "التمهيد"
Abstract
يتناول هذا البحث درس الباقلاني للظاهرة الدينية من خلال كتابه "التمهيد"، ويقتصر في تناوله للموضوع في حدود الأديان غير الكتابية؛ أي ما ذكره الباقلاني عن أهل التثنية والمجوس والبراهمة والقائلين بالطبائع والتولد والمنجمين، ومن أجل فهم أكبر لإسهام الباقلاني اعتمدنا المنهج التحليلي، فمهدنا لموضوعنا بتعريف بالباقلاني نفسه ومؤلفاته التي لها صلة بدرس الأديان، ثم وضع الباقلاني في سياق نشأة درس الأديان في الثقافة الإسلامية، وبعدها انتقلنا إلى تحليل نص الباقلاني نفسه في دراسته للظاهرة الدينية، مركزين على كتاب "التمهيد" ومستعينين في ذلك بما توفر من دراسات عن إسهام الباقلاني في درس الأديان، على قلتها، ومما توصل إليه البحث أن الباقلاني في كتابه "التمهيد" أبدع طريقة جديدة في تصنيف المقالات لم يسبقه إليها من تناول الاعتقادات من علماء المسلمين؛ سواء الذين تناولوا اعتقادات فرق المسلمين أم الذين تناولوا مقالات المسلمين وغيرهم، وذلك لأنه وضع قاعدة معرفية على أساسها ناقش الاعتقادات المختلفة، وتقوم هذه القاعدة المعرفية على مبدأين؛ يتناول الأول موضوع العلم وأنواعه وطرق الاستدلال، ويتناول الثاني موضوع قسمة الوجود إلى وجود قديم وآخر محدث، مع ملاحظة أنه في المبدأين انطلق من مقدمات عقلية يتفق عليها مع مخالفيه، وكذلك الرجوع إلى معهود العرب من الكلام، ثم إن الأديان غير الكتابية التي تناولها الباقلاني في "التمهيد" تكاد تدور حول دينين اثنين فقط؛ هما المجوسية وما يدور في فلكها، والبراهمية، إضافة إلى الآراء الفكرية التي كانت منتشرة في عصره وتمثل نوعًا من الاعتقادات وإن لم تكن أديانًا، كالطبائعيين والقائلين بالتولد والمنجمين؛ إذ اتخذها أصحابها مقالات تفسر الوجود والخلق والحقيقة؛ لذا تناولها الباقلاني ضمن ما ناقشه من أديان غير كتابية، في حين أن الباقلاني في مناقشته هذه الاعتقادات أو الأديان لم يذكر مصادرها ولم يرجع إلى نصوص محددة، بقدر ما كان يناقش آراء كانت منتشرة في زمانه، تنسب إلى هذه الأديان والاعتقادات، وهذا مهد لنقلة منهجية مهمة جدًّا على طريق تأسيس درس للظاهرة الدينية يتجلى في ما سلكه فيما بعد كل من ابن حزم والشهرستاني في تأكيدهما على أهمية المنطلق العقلي المشترك في درس الأديان، أو ما سماه الفاروقي في عصرنا الحديث "لاهوت عالمي لدرس الأديان" حين كان يعمل على إحياء علم دراسة الأديان الإسلامي وبعثه من جديد في ستينيات القرن العشرين.