هدي القرآن الكريم في علاج الشقاق بين الزوجين
Abstract
الملخَّص
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمد، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وتابعيه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالإسلام دين الله الخالد، ارتضاه الله تعالى للبشرية دستور أمة، ونظام حياة، ومنهجاً قويماً يحقق للناس كافة سعادة وفلاحاً في الدنيا والآخرة، بما تضمنه من عقيدة صحيحة، وشريعة بيِّنَة عادلة، تناولت العبادات والمعاملات والأخلاق، بأحكام سماوية، تنظِّم صلة العبد بخالقه ونفسه والآخرين، روحياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وسياسياً.
وأعداء الإسلام كانوا وما يزالون يتربَّصون به الدوائر، وينالون من بعض الأحكام التي شرعها بما يُسِيء فهمَها، ويجعلُها محلاً للنيل منه. وقد استغلُّوا قضية المرأة؛ فجعلوها محل شبهة، وموضع ريب، يثيرون من خلالها شكَّهم نحو هذا التشريع الإلهي، نقداً لأحكام الحجاب، وتعدُّدِ الزوجات، وعملِ المرأة وتملُّكها، مروراً بدرجة قوامة الرجل، ثم التأديب عند النشوز، وما تضمَّنه في مراحله من وعظ، وهجر، وضرب، وصولاً إلى التحكيم، فالطلاق، مركِّزين على الفهم الخاطئ لسبل الوقاية والعلاج، مثيرين لقضيَّة الضرب بقصدٍ أو بدون قصدٍ، على أنها شبهة عملية، وجريمة إنسانية بحق المرأة حين تُهدَرُ كرامتُها، ووصمةُ عارٍ في جبين التشريع الإسلامي حين يُعتدَى على حقها الإنساني في الحياة.
وسأقوم ببحثي المتواضع هذا بدراسة تحليلية للآية الكريمة (34) من سورة النساء، والتي تضمَّنت الحديثَ عن درجة القوامة ومبرراتها، ثم أُبيِّن الإجراءات الوقائية لتجنُّب وقوعِ الطلاق، من خلال استعراض مراحلها في سياق الآية الكريمة بترتيبها المحكَم؛ بَدْءَاً من الوعظ، فالهجر في المضجع، ثم الضرب، انتهاءً إلى مرحلة التحكيم في التي تليها، وهي المراحل العملية الحكيمة في علاج ظاهرة الشقاق والنشوز، احترازاً عن وقوع الطلاق باعتباره آخرَ دواء، وأنجعَ علاج لإنهاء هذا الخلاف، والذي يهدد بآثاره كيان الأسرة كلِّها بالهدم والدمار. وقد وضعت للبحث خطة تضمَّنت مقدمة، وتمهيداً، وأربعة مباحث رئيسة، وخاتمة. سردت في المقدمة أسباب اختيار البحث، وأهدافه، ومنهجه، والدراسات السابقة، ثم تعرضت في التمهيد إلى دراسة تحليلية لآية النساء (34)؛ فذكرت سبب نزولها، ثم شرح المفردات، ثم تفسير الآية الكريمة، ثم بيَّنت فقهها. وجاء البحث في مباحثه الأربعة الرئيسة يعرض للإجراءات الأربعة في علاج نشوز المرأة بتفسير وبيان، مع التركيز على الجانب الاجتماعي والوجه الحضاري الذي راعى فيه التشريع الإسلامي علاجَ هذه القضية. كما بينت موقف الإسلام من ظاهرة الضرب _ والتي هي بيت القصيد في البحث _، وبيان أن الإسلام حين شرعه إنما جعله دواءً تحتَّم استعمالُه لِدَاءٍ عضالٍ، وعقوبةً عادلةً لمن استحقَّه مخالِفاً ومجانِباً للصواب، شأنه شأنُ كلِّ دواء مرٍّ لابدَّ للمريض أن يتجرَّعه لنَيل الشفاء، وأنه يُلجَأُ إليه في مرحلة ضيِّقة حرجة، وذلك بعد استنفاد كافة الوسائل الحكيمة التي تسبقه في معالجة الشقاق، وأنه يَسبق التحكيم والطلاق، لا أن يكون مزاجياً وصلاحية مطلقة للزوج، وسلاحاً يهدِّد به في كل حين وآن.
وفسَّرت ظاهرة الضرب محدداً شروطه وضوابطه وآدابه، وبيان أقوال العلماء والفقهاء فيه مع الاستدلال، وأنه غير مبرِّح. مع التركيز على أن الضرب وإن كان مباحاً إلا أن تركه أفضل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب امرأةً قطُّ ولا خادماً. بعدها أجريت المقارنة بإحصائيات موثَّقة، تؤكد أن ظاهرة العنف والضرب للزوجات منتشرةٌ بنسب مرتفعة في البلاد الغربية كأمريكا، وأوروبا بعامة، وأسبانيا بخاصة فهي أكثر بكثير مما هي عليه في بلاد العرب والمسلمين، وهذا يؤكد أن نظام الإسلام قد حقق سبْقاً حضارياً في معالجته للقضايا الاجتماعية والأخلاقية، من خلال تشريعاته السماوية. ثم ذيَّلت بحثي بإحصائيات رسميَّة أثبتُّ فيها أن للتوجيه الأسريِّ أثرُه الطيِّبُ في تدنِّي ظاهرة الطلاق في المجتمعات الإسلامية، عما كانت عليه من قبل، مما يؤكد أهمية الوعظ والتوعية التي دعا إليها الإسلام كعلاج أوَّليٍّ لتلافِي وقوع هذه الظاهرة، وتبصيرِ الزوجين بما لهما من حقوق، وما عليهما من واجبات، تجاه بعضهما، لاستدامة الودِّ والوئام، وتحقيق السعادة والاستقرار في حياتهما الزوجية. وقد اعتمدت التوثيق المنهجي لمفردات وعناصر البحث، حسب القواعد العامة المتبعة في البحث العلمي. وفي نهاية المطاف أوجزت بحثي بخلاصة تتمثَّل في أن الإسلام في تشريعاته سماوي المصدر، كلٌّ لا يتجزَّأ، وهو السبيل الوحيد لسعادة الفرد في الدنيا والآخرة. وأخيراً ختمت البحث بنتائج مستفادة منه، وتوصيات مقترحة فيه.
DOI/handle
http://hdl.handle.net/10576/4325Collections
- Islamic Studies [67 items ]