واجب الدائن في الالتزام العقدي بتخفيف الضرر – دراسة مقارنة
الملخص
حظي واجب تخفيف الضرر، في نطاق المسؤولية العقدية، بأهمية كبيرة على المستوى الفقهي والقضائي، وكذلك على المستوى التشريعي في بعض الدول، أضف إلى ذلك أن هذا المبدأ حظي بالاهتمام من بعض الوثائق الدولية الناظمة للتجارة العالمية كاتفاقية فيينا ومبادئ الينيدروا لترسيخ مبادئ العدالة والإنصاف، حيث يعد واجب تخفيف الضرر أحد تطبيقات مبدأ حسن النية في العقود، وتكريساً لمقتضيات التعاون والتضامن في العلاقات التعاقدية، والذي يفرض على كل طرف من الأطراف المتعاقدة أن يأخذ في الاعتبار ما يتجاوز مصالحه الخاصة، أي مصالح الطرف الآخر المتعاقد معه، وذلك من خلال تحمل التزام إيجابي لتعزيز الحفاظ على العقد. ويقضي هذا الالتزام باتخاذ الدائن إجراءات معقولة لتخفيف الضرر الناتج عن عدم تمكن المدين من تنفيذ
التزامه التعاقدي.
اهتمت بعض الأنظمة القانونية والتشريعات الوطنية (خاصة النظام الأنجلوسكسوني) بضمان تحقيق التوازن بين حق الدائن المضرور في جبر الضرر الذي وقع عليه، بسبب عدم تنفيذ المدين التزامه العقدي، وعدم إثراء الدائن على حساب المدين دونما مبرر، وذلك بإلزام الدائن اتخاذ الإجراءات
المعقولة لتخفيف الضرر. أما القوانين العربية، فلم تشر صراحة لواجب الدائن تخفيف الضرر، ومع ذلك فإنه يمكن استخلاص ذلك الواجب على الدائن ضمنياً من نصوص قوانينها المدنية، لاسيما ما يتعلق بشرط أن يكون الضرر مباشراً. وقد أسهم الفقه والقضاء في بيان كيفية تطبيق هذا المبدأ (تخفيف الضرر)، وفقاً
الملابسات وظروف كل حالة على حدة، ومدى مساهمة كل طرف في التعاقد بإحداث الضرر. لم يترك هذا التنظيم القانوني لمبدأ تخفيف الضرر الباب مفتوحاً أمام الدائن المتضرر في جني آثار ادعاءاته بالضرر، بل تم تقييد هذا المبدأ بقيد موضوعي يتضمن مدى قدرته على توقي الضرر الواقع عليه بسبب إخلال المدين بتنفيذ التزامه العقدي. وعليه، لا يلتزم الدائن، في سبيل تخفيف الضرر ، سوى اتخاذ التدابير المعقولة الملائمة للظروف الملابسة، ويكون له الحق في أن يسترد من المدين كل النفقات المعقولة المصاحبة لهذه التدابير، حتى ولو لم تؤد هذه التدابير
(المعقولة) إلى النتيجة المطلوبة.
وأما إذا تبين أنه كان بإمكان الدائن توقي هذا الضرر بالكامل أو تقليص حجمه باتخاذه تدابير وإجراءات معقولة، ولكنه لم يتخذها ، فقد وجب في هذه الحالة الحرمان من التعويض أو إنقاصه
بالقدر الذي كان يمكن له تقليل الخسارة باتخاذه التدابير المعقولة في الوقت المناسب. ويتضح أن هذا المبدأ يعد تكريساً لمبدأ التعاون بين طرفي العقد، وضماناً للدائن والمدين في الحفاظ
على حقوقهما العقدية في ضوء مقتضيات حسن النية.
DOI/handle
http://hdl.handle.net/10576/51271المجموعات
- أبحاث القانون [185 items ]