المنهج التواصلي في تعليم اللغات اللغة العربية أنموذجا
الملخص
يواجه متعلمو اللّغة العربيّة إشكالية عدم قدرتهم على تعلمها وإتقان استخدامها في المواقف التّواصليّة المختلفة، كما يواجهون بصورةٍ خاصة عدم القدرة على تعلم نحو اللّغة، ليستثمر في تصحيح لحن الألسن، وفي إطار هذه الإشكالية يحاول البحث الإجابة عن سؤال رئيس: ما السبب الذي يجعل المتعلمين يدرسون اللّغة العربيّة لاثني عشر عامًا ثمّ لا يتمكنون من إتقان اللّغة العربيّة والتّواصل بها في المقامات التّداولية في الحياة اليومية؟ وينظر إلى الأمر من زاوية مناهج تعليم اللّغات للنّاطقين بها.
وحيث إنَّ منهج البحث هو السّمط النّاظم لحيثياته، يستند هذا البحث في معالجة إشكاله إلى المنهج الوظيفي، مستخدمًا الأدوات والتّقنيات والإجراءات التي تُوفرها النّظرية اللّسانية الوظيفية إذ يقوم عليها بناؤه.
حاولت في هذا البحث تقديم تصور للمنحى الذي يمكن له أن يُسْلَكَ في أي مشروع لساني تعليمي يستهدف تطوير مناهج تعليم اللغة العربية. وركزت في ذلك على مناهج تعليم العربية للنّاطقين بها، من خلال استثمار منجزات الدّرس اللّساني الحديث الذي يستند إليها البحث في مرجعياته وأصوله المعرفية.واخترت نظرية النّحو الوظيفي في معالجةٍ موسعة لنموذجها نموذج مستعملي اللّغة الطبيعة، إذ تركز في النّمذجة التي تستهدف في المقام الأول البنية التداولية التي تسمح لمستعملي اللّغة بالتّواصل على نحو سليم وفعال فيما بينهم، كما يسهم في الكشف عن طبيعة العملية الاكتسابية للغة من خلال فهم مكوناتها وكيفية عملها وتفاعلها فيما بينها وهي: (الطّاقة اللّغوية، والطّاقة المعرفية، والطّاقة المنطقية، والطّاقة الإدراكية، والطّاقة الاجتماعية، والطّاقة التّخيلية).
ونظرًا لوجود وجهين يمكن التّعامل مع اللّغة من خلالهما، وجه أولٌ فطريّ يحدث تلقائيًا دون أن يتطلب بذل جهد من صاحبه في تحصيل اللّغة، وهو المعني بعملية الاكتساب اللّغوي، ووجه ثانٍ يحدث بطريقة واعية، يبذل فيها صاحبها قدرًا من الجهد لتحصيل اللّغة، وهو المعني بعملية التّعلم؛ ولأنّ الأمر كذلك سعى هذا البحث إلى الإفادة من الطريقة الآلية التي تحدث أثناء عملية اكتساب اللّغة و توظيفها في عملية التّعلم؛ أي إنّه يعيد مشهد الاكتساب الطبيعي للغة، في صورة صناعية تتجلى في العملية التّعليمية، الأمر الذي يسهم في تقديم منهج تعليمي للغة العربية قابلٍ للتطبيق وسهل للاستيعاب متوافق مع آليات عمل الدّماغ الطبيعية؛ فيقل بذلك الجهد المبذول على المتعلم مع اصطناع البيئة اللّغوية المساندة لذلك.
أرجو أن يكون من نتاج هذه الدّراسة بذرة أولية لتصميم مناهجَ تعليميّة أنجع، حيثُ تصبح مناهج تعليم اللّغة العربيّة ذات التصميم الوظيفيّ كمنظومة تعليمية متكاملة، في جميع المراحل الدّارسية، وفي مرحلة أولى تعرض نموذجًا لمنهجٍ تعليميّ صُمِمَ بهدف إكساب المتعلّم الكفاية التّواصلية، وفي محاولة كسب هذا الرّهان العلمي يقوم البحث على معالجة جادة "لكتاب اللّغة العربية (للصّف السّابع) من إنتاج مجمع البيان التّربويّ لتعليم اللّغة العربية في دولة قطر" وتحليل مكوناته المعرفية، والكشف عن مستويات التوافق بين مكوناتها ومكونات القدرة التّواصلية؛ ليكون مستقبل تطوير المنهج قائمًا على أسس علمية رصينة، كما يعمل على الاستفادة من تجربة حقل تعليم اللّغات الحية، منتفعًا من الثّراء المعرفي والكمي الذي حققه الخبراء في هذا المجال، إضافةً إلى تجربة تعليم اللّغة العربية بالفطرة والممارسة في تعلّم اللّغة العربيّة وفق المقاربة التّواصليّة
ومِن أهمّ النتائج التي توصل إليها البحث إمكانية استثمار المنهج التّواصليّ في تعليم اللّغة العربية من خلال ثلاث طرق، إحداها : الاستثمار المتوافق مع النّشاط الفعلي للقدرة التّواصلية لدى المتكلم في فترة اكتساب اللّغة وتكون في مرحلة ما قبل التّعليم الأساسي. والثّانية : استثمار متوافق مع فترة التّعليم الأساسي حيث يمكن تنشيط القدرة التّواصلية لدى المتكلم، ويأتي التّطبيق من خلال اصطناع البيئة اللّغوية- المنهج التّعليميّ المتماشي مع تفاعل مكونات القدرة التّواصليّة. و الثالثة: استثمارٌ لمن نضجت قدرتهم التّواصليّة بما فيه الكفاية بحيث تتم عملية تصويب ما يقعون فيه من أخطاء في استعمال اللّغة التّواصليّ والكتابي، واصطناع البيئة اللّغوية، إضافة إلى منهج تعليمي يسهم في تعليم اللّغة بطريقة الإكساب الطبيعية.
و بالإضافة إلى ذلك فإنّ نموذج مستعملي اللّغة الطبيعية قد وفر للتربويين خدمةً جليلة، بأن بين كيف يحدث الاكتساب اللّغوي وفق تفاعل مكونات القدرة التّواصلية، و ما عليهم سوى الشّروع بتصميم المناهج مع مراعاة تقدم طاقات على أخرى في التّفاعل، وموافقة ذلك للأنشطة التي تصمم في المنهج التّعليمي، فالأساس الذي تقوم عليه الطاقات جميعها هو تفاعل بين الطّاقة المعرفية والقالب النّحوي ثمّ الطاقات الأخرى تأتي في المرحلة الثانية، ويشير ذلك إلى أنَّ المعارف تستمد في كلّ العبارات من الطّاقة المعرفية المختزنة لدى المتكلم، ثمّ تصاغ من خلال قواعد اللّغة بصورة صحيحة نحويًا.
ولأنّ اللّغة العربية لغة متمركزة في وجدان الأمة العربية، وممثلة لهويتها الإسلامية، وحاضنة لإرثها وحضارتها؛ولأنّها كذلك كان لا بد من أنْ تُقَدّر بِقَدَرِها، وتُعطى الاهتمام الذي يَنمُّ عن ذلك القَدْر؛ فقد حرصت دولة قطر على الاهتمام باللّغة العربية، كما تحرص على تعزيز هويتها العربية وتقوية لغة ثقافتها التي بها تُعرف، وتَعِزُّ، وتَشْرُف؛ وانطلاقًا من ذلك جعلت دولة قطر النّهوض باللّغة العربية ركيزة أساسية في رؤيتها الوطنية "2030" فشرعت بعض بنودها وفقًا لذلك.
وحيث إنَّ التّعليم هو المستند الأساسي للتّنمية البشرية، اهتمت دولة قطر بالمنظومة التّعليمية وجعلتها في سلم أولوياتها؛ من خلال بلورة مناهج تعليمية، تنبثق منها روح المواطنة، وتؤصل للثّقافة العربية، بمنهجية علمية رصينة تنسجم مع متطلبات العصر، وتتآلف مع طموحات أبنائها، واحتياجات سوق العمل، ومن هُنا يتناغم هذا البحث مع رؤية وتطلعات دولة قطر في خدمة اللّغة العربية، ساعيًا إلى ترك بصمة حقيقة في المنظومة التّعليمة، في محاولة لتقديم تصورٍ لتطوير مناهج تعليم اللّغة العربية، تستند إلى بناء معرفي قوي من المنجز اللّساني الحديث؛ لخدمة اللّغة العربية، وتيسير سُبل إتقانها على أبنائها في ظلّ التّزاحمات اللّغوية التي تشهدها السّاحة العلمية.
DOI/handle
http://hdl.handle.net/10576/6343المجموعات
- اللغة العربية [55 items ]