نظرية الأكوان في النقد والبلاغة العربيين: أسئلة الظاهر وحدود المتخيل
Abstract
لم يكن تواضع رواد الشعرية العربية القديمة على مفاهيم الفطنة والشعور والذكاء والقريحة والنفس والخيال وغيرها ينشد تأكيد الخاصية الإبداعية لعمل الشاعر وطبيعته التخييلية فحسب، كما لم يكن يروم التنبيه على الطبيعة الإدراكية التي تحكم النشاط الذهني أثناء إنتاج قصيدته فقط، بل كان يتوخى أيضا وأساسا مساءلة طرق تحقق الوعي الجمالي للذات، ومستويات رؤيتها الخيالية للأشياء والظواهر، ومحددات إنتاجها لأكوان شعرية مغايرة للواقع المادي المدرك والمعيش، وهي مساءلة لم تقف عند عتبات النظر في العلاقة بين النظر الحسي والتمثل الذهني والنتاج الإبداعي، ولكنها تجاوزت ذلك إلى البحث في أشكال المدركات وجواهرها، وطرائق المزج بين تجلياتها العينية وتمثلاتها التخييلية.
وتفيد القراءة الفاحصة للتراث الشعري والنقدي عند العرب بأن عديد المواقف والأحكام الجمالية للشعراء كانت أثناء التجربة الإبداعية وبعدها تقيس درجة تحقق الوعي التخييلي وتنظر في مظاهر تحوله لحظة إبداع القصيد وبعدها، لمعرفة مدى نجاح حركاته الذهنية في خرق حجب الظاهر والتحرر من قيود الحس وظواهره العينية، كما تشي تلك القراءة أيضا بأن مساءلة العالم والأشياء وطرائق تمثل الذات وصياغتها التخييلية لعناصرهما حظيت باهتمام وعناية بعض النقاد والبلاغيين العرب قديما الذين استثمروا نظرية الأكوان عند أرسطو لتفسير الشاعرية وتحديد ظواهرها وتعبيراتها والكشف عن مستويات الوعي ودرجات المزج الذهني بين تمظهرات الشيء الواحد من لحظة ذهنية وحال نفسية إلى أخرى.
ولبيان ذلك، سيتابع البحث آراء بعض الشعراء القدامى وأحكامهم التي جعلت من طرائقهم التخييلية لحظة للتفكير في حدود التجربة الإبداعية وإمكاناتها التعبيرية والتصويرية، ولمساءلة كيفية تشكيل صور الأشياء والعوالم ومظاهرها المادية في تعبيرات وإيحاءات شعرية قوامها المقارنة أو المقاربة أو المغايرة في الوصف والتصوير والتشكيل؛ كما سيقف عند تصورات بعض النقاد والبلاغيين الذين تميزوا بقراءة خاصة تنظر إلى الشعر العربي بوصفه كونا جماليا يعيد إنتاج الأكوان الحسية بأكوان نفسية وذهنية ونتاجات تعبيرية متفاوتة ومختلفة بنية وتعبيرا وتمثلا.
Collections
- Arabic Language [146 items ]