السلطة والشعر في التراث النقدي عند العرب
الملخص
تشي قراءة المدونات اللغوية والنقدية والفلسفية العربية القديمة بأن الشعر العربي حظي بمكانة خاصة وقيمة كبيرة في البيئات المعرفية وبين أعلامها، وذلك بسبب رمزيته في وجدان العرب قديما، وقوة خطابه وسلطته في عديد الممارسات الاجتماعية والثقافية في حياتهم.
وتفيد متابعة مواقف منتجي تلك المدونات بأن نظرتهم للشعر وفيه لم تكن تقتصر دوما على بحث جوانبه الشكلية ومكوناته الأسلوبية وخصائصه الجمالية فحسب، بل كانت تنطلق من الأخيرة فتنظر إليها بوصفها وسائل جوهرية وأدوات ضرورية للممارسة السلطة وتجسيدها، معتبر في ذلك ومؤكدة أن تاريخ الشعر العربي القديم ظل دوما تاريخ صراع حول سلطة القول وأحقية التعبير، وذلك منذ بدايات نزول الوحي، وظهور بواكير الفكر اللغوي إلى المشاريع البلاغية والنقدية التي أعلت من سلطة التخييل وأبرزت سطوته النفسية والفنية.
فقد ظهر أول صراع بين القرآن الكريم وكفار قريش الذين حرصوا على توجيه المستمعين للآيات القرآنية وبرمجة فعل تلقيهم باعتبارها مجرد "شعر"، وذلك بغية الإبقاء لنتاجهم الشعري على سلطة القول والأحقية في التوجيه الاجتماعي والتأطير الثقافي لحياتهم، وهي الاستراتيجية التي واجهتها آي الذكر الحكيم بنفي الشعر عن القرآن وإبعاد صفة الشاعرية عن النبي. وقد استمر هذا الصراع واتخذ مظهرا آخر عبر المواجهة بين شعراء النبي وكفار قريش بغية حسم المعركة باللسان وجمالية التصوير.
وبعد أن تحول الشعر العربي من كونه ديوانا لهم إلى أداة أساس لفهم آي القرآن الكريم وشرح مفرداتها وبنياتها، سيظهر صراع من مستوى آخر بين الشعر وعلم اللغة في بدايات نشأته، تمثل في النزاع بين سلطتين: سلطة القول الشعري العارف بأسرار اللغة والذي يتحدى علماءها بإدراك خباياها والكشف عنها؛ وسلطة التقعيد اللغوي الذي يحرص على ضبط اللغة وحمايتها من اللحن. وإذا كان هذا الصراع بين السلطين يتمظهر في المواجهة بين الرعيل الأول من اللغويين وبعض شعراء العصرين الأموي والعباسي، فإن المواقف التي عبر عنها كل واحد منهم تدل على أن سلطة الشعر خلال تلك الحقبة أثمرت وعيا عميقا سيمكن من تطور الوعي الجمالي بخصوصية الشعر، لخصه الفراهيدي في عبارته الشهيرة التي أنزلت الشعراء منزلة أمراء الكلام.
ولئن كان يمكن الحديث عن ظهور نوع آخر من الصراع حول سلطة القول بين الشعر والخطابة عند العرب، وبعض أشكال التعبير الأخرى، فمن المفيد الإشارة إلى أن مواقف الكثير من النقاد والبلاغيين من الشعر والشعراء كانت تعي وتعبر في آن عن أن تاريخ الشعر العربي تاريخ صراع متعدد الأشكال والتمظهرات مع خطابات مختلفة وأصحابها الممتلكين لها، وهو ما تم التعبير عنه بشبكة من المصطلحات والمفاهيم وبعديد المواقف والأحكام التي دارت بصيغ مختلفة وعبرت بأساليب مختلفة طبيعة سلطته ونوع تفاعله مع السلط الأخرى ومواجهته لها، وهو ما يقترح البحث تتبعه وبيانه.
DOI/handle
http://hdl.handle.net/10576/66992المجموعات
- اللغة العربية [146 items ]