مبادئ الوظيفة العامة في ضوء قانون الموارد البشرية رقم 15 لسنة 2016
Abstract
لقد تطورت الوظيفة العامة عما كانت عليه من قبل، فبعد أن كانت الوظيفة العامة تعد أمرًا استثنائيًا في حياة الموظفين وقت أن كانت الدولة يطلق عليها الدولة الحارسة التي تتسم بطابع السلطة ولا تتدخل في حياة المواطنين إلا بأقل قدر ممكن وفي مجالات محددة، وكانت الوظيفة العامة تعد ملكًا لشاغلها تباع وتشترى وتمارس كسلطة في مواجهة الشعب.
ومع نشأة الدولة واتساع نطاقها وازدياد أعداد مواطنيها وكثرة حاجاتهم وتنوع مصالحهم، لم يعد بمقدور الحاكم وحده أن يتولى بنفسه رعاية مصالح المواطنين؛ وهو ما اقتضى أن يعين من يعاونه في رعاية شؤون الدولة وتحقيق رسالتها. لهذا منحت الدول بعض سلطاتها لموظفيها، ونظمت الرابطة بين الموظفين والدولة بالشكل الذي يكفل تحقيق المصلحة العامة، ويضمن العدالة والمساواة للجميع على قدم المساواة.
وتعول الدول على موظفيها أهمية كبيرة، فهم الدعامة الأساسية التي يقوم عليها بناء الدولة، الأمناء على المصلحة العامة، وإليهم يرجع الفضل في إصلاح الإدارة إذا أدوا واجبهم على وجه حسن، وعليهم تقع تبعة فساد الإدارة إذا أهملوا وأساؤوا القيام بواجباتهم. لكون العنصر البشرى هو حجر الزاوية في البناء الوظيفي، ومنه وضعت مسيرة الحياة، فرغم التطور التقني الهائل مازال الانسان هو الأساس الحضاري، فهو موجه التكنولوجيا ومسيرها، وبدونه تتحول إلى أدوات جامدة لا حياة فيها ولا فاعلية.
يضاف إلى ذلك أن الدولة شخصية معنوية لا يمكنها أن تمارس أعمالها إلا من خلال أولئك الموظفين العموميين الذين يعبرون عن إرادة الدولة، من خلال ممارسة وظائفها وتنفيذ برامجها وترجمة سياساتها إلى الواقع العملي، فهم عقلها المفكر، وساعدها المنفذ في كل ما تنوى القيام به خدمة للمصلحة العامة.
ونظرًا لأهمية الوظيفة العامة وما تتمتع به من مزايا عديدة وتحولها لخدمة عامة وتكليفًا ينتظم مجموعة من الاختصاصات والمسئوليات يمارسها شاغلها للصالح العام، من ثم أصبحت الوظيفة العامة حقًا للمواطنين تنص عليه الدساتير، ونظمت جل الدول قوانين وأنظمة خاصة تعنى بالوظيفة العامة، بل إن بعض الدول قد اعتبرت أن الوظيفة حق لمن تتوافر فيه الشروط المطلوبة.
وتم الاهتمام بالموظف العام على اعتبار أنه قلب المرفق العام النابض، وعقله المفكر، الذى يرتبط مع الإدارة بعلاقة وظيفية تحكمها القوانين واللوائح، تمنحه هذه القوانين حقوقًا ومزايا أثناء عمله في الوظيفة، كما تلقى عليه بعض الواجبات ، ولما كان أهم ما يشغل بال المشرع هو تحقيق أفضل استقرار لروابط العمل، سواء كان ذلك في نطاق المشروع الحر أو في مجال المشروعات المملوكة للدولة، حيث إن هذا الاستقرار غاية اجتماعية تحرص كافة الدول على بلوغها، وذلك عن طريق سن التشريعات والقواعد الوظيفية لعلاج المشاكل التي تهم الموظفين؛ لأن الأشخاص هم العنصر الرئيسي في تكوين الدولة.
ولأن كل إنسان لا يفتأ دائما يطمح إلى المزيد من كل شيء، وهو على ذلك مجبول، فإنه من الضروري أن تتضمن النظم الوظيفية ما يحفز همة الموظف ويدفع طاقاته نحو أفضل صور العطاء في مجال عمله.
ولقد شهد القرن الحالي تطورًا كبيرًا في مجال الوظيفة العامة، وأصبحت كل دولة تبذل قصارى جهدها لإصلاح أوضاع موظفيها باعتبار أن الموظفين هم مرآة الدولة، فمستوى كل دولة يقاس بمستوى موظفيها، وهم لذلك عنوان الدولة، وأساس تنظيمها، وازدهارها وتقدمها.
ومع اتساع نظام الوظيفة العامة وكثرة عدد الموظفين، بدأ تنظيم العلاقة بين الموظفين والدولة بصور يتحقق بها قدر من الضمانات لهؤلاء الموظفين في مواجهة سلطة الإدارة واحتمال تعسفها، وترتب على العلاقة التي تربط الدولة بموظفيها حصول أولئك الموظفين على حقوق عديدة مقابل قيامهم بواجباتهم الموكولة إليهم حسب القوانين والأنظمة.
وقد خضعت الوظيفة العامة في دولة قطر لسنوات لأحكام قانون الخدمة المدنية رقم 8 لسنة 2009، وقد صدر هذا القانون معتنقًا مبدأ ترتيب الوظائف وتحديدًا المرتبات والأجور تبعًا لأعباء الوظائف ومسئولياتها، وذلك على أسس موضوعية متوخيًا في ذلك تحقيق العدالة والمساواة بين العاملين.
بيد أن السلطة المختصة في الدولة قامت بإلغاء هذا القانون بعد سنوات من العمل به، من أجل المزيد من الرقي بالوظيفة والموظفين، وتنمية مهاراتهم، وتهيئة بيئة العمل وفق أحدث الأنظمة، لجذب عدد كبير من الأفراد للعمل داخل الجهاز الإداري بالدولة، جاء ذلك من خلال إصدار القانون رقم 15 لسنة 2016 بشأن الموارد البشرية المدنية.
وعلى الرغم من أن دراسة الوظيفة العامة وما تثيره من مشكلات متعددة كانت موضع عديد من الدراسات القانونية، سواء المتخصصة أو التي حملتها مؤلفات القانون الإداري، إلا أننا لم نحصل على مؤلف واحد جامع لأحكام الوظيفة العامة وفقًا لقانون الموارد البشرية القطري.
ومن ثم سوف تقتصر دراستنا على دراسة قانون الموارد البشرية الحالي لدولة قطر، من خلال التعريف بالموظف العام، وبيان مدى علاقته بالدولة، وكيفية تعيينه، وحقوقه وواجباته، وتأديبه، وكيفية إنهاء خدمته، وذلك من خلال تقسيم هذا المؤلف إلى ستة فصول النحو التالي:
الفصل الأول: تنظيم الوظيفة العامة.
الفصل الثاني: التعريف بالوظيفة العامة والموظف العام.
الفصل الثالث: التعيين في الوظيفة العامة.
الفصل الرابع: حقوق وواجبات الموظف العام.
الفصل الخامس: تأديب الموظف العام.
الفصل السادس: انهاء خدمة الموظف العام.
DOI/handle
http://hdl.handle.net/10576/17289Collections
- Law Research [288 items ]