منزلة السُّنَّة في الفكر الاعتزالي
Abstract
المقدمة مدخـل البحـث الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين، نحمد الله الذي منَّ علينا بنعمٍ كثيرة وعلى رأسها الإسلام، المتمثل بكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد لقي هذان المصدران اهتماما من المسلمين، باعتبارهما مَصْدرا للتشريع والمعرفة والأخلاق. وقد تكونت في التاريخ الإسلامي مذاهب قامت على هذين الأصلين، ومن هذه المذاهب مذهب المعتزلة الذي نشأ في القرن الثاني الهجري، ومعلوم لدى الدارسين في الحقل الكلامي أنَّ المعتزلة جعلوا من أصولهم العقلية ميزانًا في الحكم على كل ما يصطدم مع هذه الأصول ردًّا أو تأويًلا. لقيَ مذهبهم هذا نفرة من أهل السُّنَّة الَّذين عُرِفوا بهذا الاسم انطلاقًا من تمسكهم بها ودفاعهم عنها، لكنْ هل تخلَّى المعتزلة عن السُّنة النبوية؟ وكيف نصل إلى قرار يكشف حقيقة الأمر؟ وما الأصول التي حوكمت السُّنة عليها؟ كانت هذه هواجس في النفس ودافعا لاختيار الموضوع، وتتضح الأهمية أكثر استنادا إلى الفقرات اللاحقة. دواعي الاختيار وإشكالية البحث: تتنزل الدواعي في إطارٍ فكريٍ متصلٍ بالفكر المعاصر وجذوره المذهبية، أما صلته بالجذور فالبحث يحاول الكشف عن أثر الخلاف الفكري بين أهل السُّنَّة وبين المعتزلة في الموقف من السُّنة النبوية ورواتها، وذلك بتجلية موقف المعتزلة من ذلك، ومحاولة الوصول إلى حقيقة هذا الموقف وأسسه نَظَرًا وتَطْبيقًا. وتم اختيار السُّنة لأن موقف المعتزلة من السنة كان الأخطر. أما صلة هذا البحث بالفكر المعاصر فهو يكشف - في إطار البحث بشكل غير مباشر - عن جذور بعض النزعات المعاصرة التي تتخذ مما تسميه بالعقل مطيةً في رد بعض الأحاديث، فهل العقل الاعتزالي الذي وقف من السنة موقفًا معينًا كان مصيبًا في هذا الموقف؟ وهل نجد عند المعتزلة سلفًا للأفكار المعاصرة التي تطعن بالسنة النبوية؟ هذا الأمر يقودنا إلى إشكالية البحث المتمثلة بالسؤالين الآتيين: كيف يتخلى المعتزلة عن السنة ويهاجمونها مع أنها المصدر الثاني للتشريع والمعرفة والأخلاق؟ ثم كيف نوفق بين القول بدفاع المعتزلة عن العقيدة الإسلامية ضد الملل المخالفة، وهم في نفس الوقت يهدمون المصدر الثاني بعد القرآن الكريم؟ الافتراضات المؤسسة لقيام البحث يقوم هذا البحث على افتراضات عدة تتفرع عن افتراضَين رئيسين: إما أن تكون للسنة منزلة في الفكر المعتزلي أو لا تكون. فإن كانت، فما هي مظاهر حضور السنة في الفكر المعتزلي؟ وما هي الأسس التي قامت عليها هذه المنزلة؟ وهل هذه المنزلة متساوية مع منزلة السُّنَّة عند أهل السُّنَّة؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا اتُّهم المعتزلة بتغييب السنة وتهميشها؟ وإن لم تكن للسُّنة النبوية منزلة فما هي عوامل ذلك؟، وكيف يتخلى المعتزلة عن السنة؟ وهل للمعتزلة سلف في تغييب السنة؟ إطار البحث ومدوناته: إطار البحث من الجانب المنهجي هو التعرف على منزلة السُّنَّة ورواتها في ضوء العقل الاعتزالي، وقد وقع الاقتصار على تِبيان ذلك فيما هو عام ومشترك بين كل المعتزلة، كالشفاعة والرؤية وعذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين وتسميتهما بمنكر ونكير والصراط والميزان، ولم أُهمل المواقف الفردية لبعض رجالات المعتزلة من السُّنة ورواتها في حدود المصادر الموجودة بين يدي. أما المدونات المعتمدة فتأتي مدونات المعتزلة على رأس المدونات، وتليها مدونات أهل السُّنَّة الخاصة بعلم الكلام، وهناك مدونات متصلة بالتاريخ والأصول والتفسير والحديث وشروحه وعلم الرجال والتراجم، وقد أوليت هذه المدونات بكل تفريعاتها أهميةً خاصةً بالمقارنة مع الكتب المعاصرة، وهذا ما يُفسِّر غَلَبَة المدونات القديمة على الكتب المعاصرة. المناهج المتبعة في الدِّراسة نظرًا لاتساع البحث وتشعبه وتعدُّد الروافد التي ساهمت في إنشائه من كتب الكلام والحديث والأصول والتاريخ، ووقوفًا عند الفكرة وتطورها والغايات الباعثة على إظهارها، والتحقق من مدى وقوع الحدث الفكري تاريخيا جاء هذا البحث حصيلة مناهج عدة، أهمها: المنهج التاريخي: يقوم هذا المنهج على ربط الفكرة بالواقع الذي نشأت فيه، ومحاولة إبراز العوامل الفكرية والاجتماعية المساهمة في إبراز الفكرة وإظهارها، وقد تبدَّى هذا المنهج بوضوح في كُلِّ الرسالة، ومن هنا كان الحرص على ذكر تواريخ وفاة الأعلام قصد وضع القارئ في الإطار الزماني للفكرة. المنهج المقارن: المقصد من التعامل مع هذا المنهج تجلية موقف المعتزلة، إذ غالبًا ما تبرز وجهة النظر من خلال تبيان الموافق والمخالف، وهذا هو المقصد من مقارنة المعتزلة بأهل السُّنَّة، غير أن هذه المقارنة لا تصل إلى حد ذكر الأدلة والدخول في التفاصيل، وإنما أكتفي غالبًا بذكر الاسم، فأقول مثلا: وإلى هذا ذهب أهل السُّنَّة، أو أن هذا الرأي لا ينسجم مع موقف أهل السُّنَّة. المنهج الاستقرائي هذا أبرز المناهج المُستخدمة في هذه الرسالة، وقد ظهر جليِّا عند الكشف عن مواطن حضور السنة ومواقفهم منها ومن رواتها، وأكثر ما ظهر هذا المنهج في مواقف المعتزلة من رؤية الله تعالى يوم القيامة ومن الشفاعة والصراط والميزان وسؤال الملكين. الدراسات السابقة لم أجد - فيما اطلعت عليه - دراسة متخصصة حاولت الكشف عن منزلة السنة في الفكر المعتزلي سوى بحثين: الأول: قام به الدكتور أبو لبابة حسين تحت عنوان:"موقف المعتزلة من السنة"‹ ›، ومما يؤخذ على هذا البحث أنه غلَّب فيه الرؤية السُّنِّية، وذلك يظهر من قلة المصادر الاعتزالية وكثرة مصادر أهل السُّنَّة، ولا سيما البغدادي (ت:429)وابن قتيبة(ت:276) وكلاهما عنده تحاملٌ على المعتزلة. كما أن أحكام الدكتور أبو لبابة على المعتزلة لا تخلو من تعميم؛ حيث يحكم أحيانا على الكل من خلال البعض، يضاف إلى هذا تسرعه في البتِّ ببعض الأحكام في حق المعتزلة. الثاني: للدكتورة إنشاد محمد علي عيبه، تحت عنوان:"دراسات حديثية في العقيدة الإسلامية"، تحليل لموقف المعتزلة من السنة في بعض قضايا العقيدة( )، واتخذتْ نموذجًا لدراستها قضية الرؤية والشفاعة، وكأنها انطلقت من توجهٍ مسبقٍ لمحاكمة المعتزلة، وقد بدا ذلك في انتقائها أحاديث ضعيفة وموضوعة استدل بها القاضي في الاعتراض على الشفاعة، ومن ثَم جعلت هذه الأحاديث نموذجًا لكل الأحاديث التي استدل بها القاضي.
DOI/handle
http://hdl.handle.net/10576/44458Collections
- Creed and Dawa [144 items ]