حوار الحضارات في فكر مالك بن نبي
الملخص
الحمد لله الذي علم بالقلم فعلم الإنسان مالم يعلم، والصلاة والسلام على محمد رسول الله، من أعُطي جوامع الكلم فكان دينه هداية للعرب والعجم.
يعتبر مالك بن نبي أحد رواد الفكر الإسلامي فهو من الشخصيات ذائعة الصيت، ولذلك فقد أسال أحبار الكثيرين من الدارسين، والذي جعلني أضم قلمي إلى أقلامهم فقد وقع اختياري في بحثي هذا لاستلهام فكر مالك بن نبي في حوار الحضارات، ورغبتي في معرفة ما قدمه من خدمات للفكر والأدب الغربي قبل العربي، مستفيدين من تجاربه الثقافية والشخصية، فهو فيلسوف ومهندس الحضارة، فقد نظّر للحضارة ودعا إلى حل مشكلاتها ودورها في التقارب والتعايش والحوار مع الآخر، وعليه كان عنوان هذا البحث: (حوار الحضارات في فكر مالك بن نبي)
فهناك العديد من الأعمال الفكرية لمالك بن نبي، وصياغاته الفكرية كان في اتجاهين الارتباط بالإسلام وتراثه ومنهجه من جهة، والانفتاح على الحضارات الأخرى وعلومها من جهة أخرى ، فيعتبر التراث الإسلامي والغربي ومنابعها هما الباعث الروحي والمؤسس لفكر مالك بن نبي ، وبرغم قِدم المعطيات والأمثلة التي استشهد بها مالك بن نبي في عصر الخمسينات والستينات، فإني أظن أن رؤيته قد سبقت زمانها ؛فقد كانت رؤى مالك بن نبي استشرافيه للمستقبل، فنحن نقرأ كتبه اليوم فنراها تتحدث عن الماضي، وفي نفس الوقت تتحدث عن ما يدور في العالم الإسلامي اليوم، وها هي أفكاره اليوم في هذا البحث تُسهم في تبني حوار الحضارات، وعمق مسألة فكر مالك بن نبي يتمثل في إخراج العالم الإسلامي مما يمر فيه من تأزم واندثار وتأخر وتخلف وانعزال إلى ركب التقدم والرقي بمشاركة إنسانية، وبإيجاد الوسائل العملية للتقدم والرقي والانفتاح الاقتصادي والحضاري.
ومن خلال العنوان السابق تبرز أهمية هذا البحث وتتمثل الأهمية في التعرف على الطريقة الحضارية التي تنقل المسلم من سلبي ومتفرج إلى ممثل وشاهد في الحوار الحضاري؛ فعبقرية الأمم بحضورها الحضاري ويتجلى بالتخلص من كل عوائق الحوار الحضاري لكل الأطراف. ثم بتسليط الضوء على آفاق الحلول الاستشرافية في فكر مالك بن نبي؛ لإيجاد بواعث النهوض الحضاري، والانفتاح على العالمية والحوار الحضاري البناء بتبني منهج ونظرية بن نبي وتفعيل تجربته وتبني رؤاه المستقبلية لمد جسور التفاهم بين الحضارات. وعليه يتبادر للذهن عدة تساؤلات عن:
ماهي مشكلات الحوار الحضاري في وجهة نظر مالك بن نبي؟ وكيف تصور علاجها؟
ومن خلال ذلك يتولد عدة تساؤلات عن شخصية مالك بن نبي وأهم مؤلفاته؟
ولماذا اهتم مالك بن نبي بالحوار مع الآخر وخاصة بمشكلات الحضارة وتحقيق النهوض الحضاري؟
وكيف تمثلت مقومات الحوار الحضاري عند مالك بن نبي وكيف تبني الحلول للمعوقات؟
وكيف نظر مالك بن نبي لآفاق الحلول الاستشرافية لإيجاد بواعث الحوار الحضاري الحقيقي والمنهج الصحيح للانفتاح على العالمية؟؟
وقد جاء الجواب عن هذه التساؤلات وغيرها مفصّ لا في مقدمة وثلاثة فصول.
وقد تضمنت المقدمة: إشكالية البحث، وأهميته، وأهدافه، والدراسات السابقة حوله، والمنهج المتبع في هذه الدراسة، والصعوبات، ثم خطة البحث. وبعد المقدمة ذكرت فصلا تمهيديا جعلته مدخلا لمفهوم حوار الحضارات: حيث تناولت فيه مفهوم الحضارة في المبحث الأول، فعرفتها لغة واصطلاحا، وفي أثناء ذلك وللإحاطة بمفهوم الحضارة أكثر تم التطرق لمفهوم الحضارة في الفكر الغربي والإسلامي، ووصلت للشق الثاني من عنوان الرسالة وهو الحوار وإعطاء تصور لمفهوم الحوار وخاصة حوار الحضارات، وعرض بعض أقوال العلماء فيه) الحوار (ثم بينت أهميته؛ فذكرت حقيقة حوار الحضارات، مع نقل بعض أقوال المؤيدين له ومناقشة آراءهم، ثم انتقلت إلى وجه من وجوهه البحث إلا وهو المصطلحات والمفاهيم، وربط كل مصطلح بالإشعاع الحضاري والانفتاح مع الآخر.
وأما الفصل الأول: فجاء بعنوان مفهوم الحوار الحضاري في فكر مالك بن نبي، فابتدأته بنبذة عن حياة مالك بن نبي وأهم مؤلفاته وملمح الحوار والآخر في ثنايا كتبه وفكره من واقع تجربته الاجتماعية والواقعية والفكرية، التي تبلورت أثناء حياته في الجزائر وتجربته في فرنسا ومحاولته لرسم معالم الطريق إلى الحضارة الإنسانية المنشودة، وتصنيف الحضارات في كتاباته، ودعوته للحوار مع الغرب دون أي عقدة نقص، واعتبره الوسيلة المجدية؛ لتحقيق الأهداف الكبرى والتقدم الحضاري؛ بفاعلية الإنسان والوقت والتراب وبتبني مبادئ الفكر الحضاري في تصور مالك بن نبي.
وأما في الفصل الثاني: فقد تعرّضت لذكر مقومات الحوار الحضاري ومنطلقاته ثم معوقات حوار الحضارات في كتابات مالك بن نبي، وكيفية تفعيل دور الثقافة والمثاقفة في حوار الحضارات؛ لتخطي أسباب وأنواع صراع الحضارات التي صاغها بن نبي في مؤلفاته من خلال ما شهده وعايشه، ودور المسلم في الشهود الحضاري ورسالته العالمية؛ لمد جسور التفاهم والتشارك العالمي من خلال فهم صور الغرب المتعددة.
وأما الفصل الثالث: فقد ذكرت فيه كيفية ذلك التشارك والتواصل بين الشرق والغرب وبينه وبين الأمم الأخرى؛ بفتح آفاق الحوار الحضاري والحلول الاستشرافية التي وردت في فكر مالك بن نبي عن طريق تفعيل فكرة الكومنولث الإسلامي وفكرة الأفروا اسيوية؛ للوصول السلام والتعايش العالمي.
وأما الخاتمة فعرضت فيها أهم النتائج والتوصيات التي وصلت إليها من هذا البحث
المتواضع والتي من بينها أذكر: مالك بن نبي هو أحد أعلام الفكر الإسلامي الذي ساهم في حلول لمشكلات الحضارة وقد ساهم في تكوين فكره الثقافة العربية الإسلامية من البيئة الأسرية وتأثره بالحركات الإصلاحية، والثقافة الفرنسية الغربية. إن الحضارة في تصور مالك بن نبي هي الركيزة الأساسية لدراسة حركة التاريخ في المجتمعات وهذا يمكننا من التعرف على المتغيرات العمرانية والاجتماعية، وفهم السنن التاريخية في إطار حركتها التاريخية. يرى مالك بن نبي أن دراسة تجارب الحضارات الأخرى مهم جدًا؛ لتخطي أزمة العالم الإسلامي الحضارية. الحوار في فكر بن نبي هو عبارة عن ظاهرة إنسانية تميز المجتمعات البشرية، وهو يرى أنه ضرورة للتعامل بين الشعوب والأمم، إذ يقتضي اعتراف المسلم بوجود الآخر والاعتراف بأن غيره لا يقل شأنا عنه؛ فالحوار أخذ وعطاء وطريق للتفاهم والتخاطب بين الناس، كما أنه يجعل الإنسان منفتحا على الحضارات الأخرى. في ظل أحداث القرن العشرين وخاصة في الثلث الأخير منه كما يرى مالك بن نبي
والتطورات التكنولوجية والرقمية وتطور الصناعة، ووسائل التواصل الحديثة لا يمكن للمسلم أن يعيش في عزلة عن حركة التطور الحضاري في العالم، وإنما عليه المبادرة في مد جسور الاهتمامات الحضارية بين شعوب العالم، والوسيلة المجدية للوصول لذلك هو حوار الحضارات، ولعل أزمة كورونا من أكثر الأزمات الكارثية التي أثبتت وجوب التواصل والتشارك. يأخذ الزمن والتراب عند مالك بن نبي أهمية كبرى، ومالك بن نبي يعتبرهما عاملان مهما ن من عوامل بناء الحضارة، ويدعو بن نبي وضمن أُطر كبرى توظيفهما في الصالح العام، ولا يمكن للعناصر الثلاث أن تتمازج إلا بوجود العامل الروحي (الفكرة الدينية). يؤكد مالك بن نبي على أهمية عامل الثقافة في تفعيل الحوار الحضاري الإنساني، لهذا أولى الثقافة والمثاقفة أهميةً بالغةً في المشروع الحضاري، وأن موضوع الثقافة من أهم المواضيع التي يجدر بالمثقف أن يشتغل وأي إخفاق للمجتمع في موضوع الثقافة ينم عن أزمة ثقافية، وأن الثقافة التي ينشدها الفكر الإسلامي لابد أن تكون ثقافة إنسانية شاملة.
كانت الصلة بين الغرب والعالم الإسلامي من أهم الأزمات التي واجهت جهود الإصلاح والتجديد في العالم الإسلامي والذي يسبب اضطراب وتعثر في كل الاتجاهات الإصلاحية، ولذلك رأى مالك بن نبي وجوب التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي تماشيًا مع المتغيرات التي يشهدها العالم. وأن الجديد الذي جاء به مالك بن نبي أنه جعل من الحضارة إطار كلي وتفسيري لكثير من القضايا التي تبحث في القانون العام دون أن ينسى القضايا الأخرى بل جعلها تحت المنظور الحضاري على المستوى الاجتماعي والسياسي وحتى الاقتصادي الذي رأى أنه يمكن للكتلة الأفريقية والأسيوية و) فكرة الكومنولث (من السير في اتجاه العالمية بإعادة صياغتها في البقاء كمصدر ومحور للمواد الأولية مع الاهتمام بالعنصر البشري (الإنسان)
ووصي البحث: يوصي البحث بأن يتم تخصص بحوث في موقف مالك بن نبي من المسيحية واليهودية، حيث إن فكره في اليهودية يحتاج لتحليل أكثر وكذلك المسيحية؛ لإمكانية ربط ذلك بالحوار الحضاري من منطلق موقف واضح لهما؛ فاليهودية والمسيحية مكّونين في الحضارة الغربية ليتم وضع تصور واضح للآخر في الغرب. وأن يتم استثمار فكربن نبي في الرد على المستشرقين وتصنيفه لهم؛ فردوده اعتمدت البراهين العقلية وتستحق الاهتمام أكثر من الجانب الأكاديمي، حيث إن فكر المستشرقين لهم دور مؤثر في الأحداث العالمية والوقائع في العالم الإسلامي.
وأن استثمار فكر مالك بن نبي في النظرية الاقتصادية وربطها بجوهر اجتماعي عام، فالحرفي والتاجر والمعلم والفلاح والمثقف والمرأة ودور كل ذلك الجهد العقلي الروحي اليدوي؛ لبناء لبنة في حضارة جديدة، تحييها نهضة إسلامية مرتبطة بالنسق الحضاري العالمي. وضع خطط اقتصادية مستقبلية في توجيه ثلاثية رأس المال والوقت والجهد واستثمار فكره في النقد الرأسمالي والشيوعي والذي كان نقدًا موضوعيًا، وتقويم المسار الاقتصادي على مستوى الأفراد وعلى المستوى الإقليمي، لتبني فكر اقتصادي إسلامي متوازن وتفعيل فكرة التكامل والتعاون الاقتصادي بين أقاليم العالم الإسلامي.
يوصي البحث بتبني فكر مالك بن نبي التربوي والثقافي والحضاري بتربية إنسان ما بعد الحضارة بمقرر جديد أو ضمن مادة التاريخ في المدارس، ف يُؤخذ التاريخ بطريقة تجعل في الفكر الإسلامي قابلية للتحاور والتواصل والانفتاح على الآخر والقيم العالمية عمومًا والتخلص من القابلية للاستعمار، وتبني حلول المشكلات الحضارية التي جاء بها مالك بن نبي في مؤلفاته.
والحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات.
DOI/handle
http://hdl.handle.net/10576/21399المجموعات
- العقيدة والأديان وحوار الحضارات [42 items ]